أقلام الثبات
لم يعد مثيرا ان يسمع اللبنانيون بصورة يومية, خطابات تذكر بالحرب الاهلية التي امتدت 15 عاما انتهت باتفاق الطائف , وبقرار دولي, بعد ان حصدت تلك الحرب نحو مئتي الف ضحية , ودمار حل بالقرى كما المدن وبكل البنية التحتية اللبنانية ,التي لم تتعاف رغم ان الحرب العسكرية وضعت اوزارها قبل36 عاما .
ان ما ورد على لسان سمير جعجع خلال مؤتمر صحافي, بلا مناسبة, الاسبوع الماضي، أن “النضال العسكري إبّان الحرب كان أسهل من النضال السياسي، ليشرح جعجع نظريته التمهيدية بحضور اركانه, مع التمسك بالمسار الذي بدأ مع الحرب الاهلية 1975 الى العام 1982 ك"رأس حربة" : "في النضال العسكري تكون الأمور جليّة، كذلك موقع العدو يبدو واضحاً ومشروعه ونواياه معلنة، والعكس صحيح بالنسبة لنا، وتحدث الحرب على هذا الأساس، أما في ما خص النضال السياسيّ فالمشكلة تكمن في الكذب والرياء والغش وهم أسياد الموقف، أي خصمك أو صديقك أو من يقف بالوسط يعلن شيئاً ويفعل شيئاً آخر، وبالتالي النضال السياسي اصعب بكثير من النضال العسكري".
لم يفوت جعجع فرصته للشحن, ومحاولة إظهار متسببي الحرب بانهم كانوا في موقع الدفاع رغم ان مئات الالاف اللبنانيين, من شهود العيان لا زالوا على قيد الحياة, إضافة الى ما هو موثق من خلال قوله: "مفهوم المقاومة اللبنانية التي ليست مؤامرة أو تخطيط مسبق، كما يعتقد البعض، بل جلّ ما كان في الأمر أن مناطق لبنانيّة وجدت نفسها تحت النار مباشرةً، فهبّ كلّ أولادها للدفاع عنها، وحقيقةً هكذا كانت بداية القوات اللبنانية".
طبعا هذا الكلام التزويري للتاريخ يتناقض مع كل الوثائق والاحداث الدامغة, وفي هذا الاطار مفيد ان يعرف اللبنانيون, من يقف وراء الحرب, أي من خطط لها, ومن كان الأداة التنفيذية. في 4/6/1974 جال الأمين العام للأمم المتحدة انذاك، كورت فالدهايم، على دول عربية. وأثناء الجولة، التقاه رئيس تحرير صحيفة النهار الصحافي المخضرم، ميشال أبو جودة، وقال له فالدهايم بصريح العبارة: إن لبنان سيتعرّض لمؤامرة كبيرة، وأن أميركا وإسرائيل ضالعتان بها، وهما يريدان خلق فوضى في لبنان. أما لماذا تريد الولايات المتحدة الأميركية إحداث فوضى في لبنان، فالسبب أنها كانت غارقة في فضيحة وترغيت، وفي مفاعيل الانسحاب المذل من فيتنام، والإخفاق في أنغولا. وكانت تركيا اجتاحت قبرص، ولم تستطع الولايات المتحدة الأميركية أن تفعل شيئاً، وظهرت لحلفائها عاجزةً تماماً. وفي هذه الأجواء، كانت تريد أن تفعل شيئاً يعيد إليها الهيبة في الشرق الأوسط، وتقضي، في الوقت نفسه، على منظمة التحرير الفلسطينية. التي بدأ صار وهجها عالميا من خلال إعادة القضية الفلسطينية الى الصدارة واطلاع العالم على المظلومية اللاحقة بالشعب الفلسطيني.
لقد سبق الحرب الاهلية في العام 1975في لبنان مجموعة احداث امنية وسياسية واقتصادية, من ضمن مخطط خطير, ربما اليوم نشهد نسخة مطورة له قياسا الى ما يجري حاليا واذا تعمقنا فيما يدور في الاروقة السوداء.
تعتقد بعض الجهات اللبنانية, ان الوضع الإقليمي بات مؤاتيا للانقضاض مجددا بعد الفشل في تنفيذ ما رمت اليه من خلال الحرب الاهلية, والان في ضوء ما سمي ب"الربيع العربي" والثورات الملونة, ولبنان جزء منها, لا يخفى الدور الغربي فيها بقيادة أميركية عبر خلايا " s NGO" ,اضافة, وهي إضافة مركزية, اي الاتفاقات الهادفة للتطبيع مع الكيان الصهيوني المؤقت برعاية ونشاط اميركيين لا مثيل لهما .
ان جذور الحرب الاهلية, تعود في الواقع إلى نتائج حرب حزيران 1967 التي شكلت هزيمة للعرب ولا سيما لمصر جمال عبد الناصر , ولسوريا ،وقد توهم َ اليمين اللبناني أن الأوان قد حان لتغيير موازين القوى الداخلية، والتخلص من بقايا مرحلة الرئيس فؤاد شهاب، ولتطلق حمّى التسلح؛ فأسس بطرس خوند في سنة 1968 أولى التشكيلات المسلحة في حزب الكتائب، وسميت "كوماندوز" ثم ظهر، في السنة نفسها، تشكيل اخر سمي ب"فرقة الصخرة" بقيادة فؤاد الشرتوني. وازدادت شهوة التسلح بعد توقيع اتفاق القاهرة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة اللبنانية في 3/11/1969، وبدأ التدريب العسكري المنظم في حزب الكتائب في 1973، وظهرت في 1975 "فرقة البي جين" (أي بيار الجميل) التي كان أفرادها يتدرّبون يومين في الأسبوع في الأديرة التي كانت تتحول خلال الإجازات وعطل نهاية الأسبوع ثكنات مكتظة، وتولى سامي خويري رئاسة فرقة البي جين، فيما تولى شقيقه فادي مهمات التدريب.
هذه التحضيرات كانت مواكبة للانقسام اللبناني حول العمل الفدائي الفلسطيني والاستعدادات التحتية وغير الخفية للانقضاض على الفدائيين الفلسطينيين خصوصاً مع فضائح عمليات امنية سرّية هدفت إلى إلصاق صفة التخريب بالتنظيمات الفدائية، كإلقاء متفجرتين على كنيستين مارونيتين، وعبوات على مكاتب لحركة فتح. وتبين أن المخابرات الأردنية هي من نفذت أعمال التفجير وأنها أرسلت في سنة 1972 أحد أفرادها، واسمه محمد بدر، إلى بيروت لغاية محدّدة هي تشويه المقاومة الفلسطينية ونشر الفوضى وإلصاق ذلك بالفدائيين. وقد القت السلطات اللبنانية القبض في السنة نفسها على هشام لطفي يوسف، مساعد الملحق العسكري الأردني في لبنان، متلبّساً بتنفيذ مهمات تخريبية، غرضها تحميل العمل الفدائي المسؤولية عن ذلك. ولاحقاً نُشرت معلومات عن أن رائداً سابقاً في الجيش الأردني، يدعى رفيق نعيم الحميدي، نفذ عدة عمليات تخريبية في منطقة رأس بيروت في سنة 1973 في محاولة لإلقاء المسؤولية على المنظمات الفدائية.
على المستوى الاقتصادي , كان لبنان لا يزال تحت تأثير افلاس بنك انترا , الذي تقول الوثائق ان السبب في الإفلاس ,يعود الى تواطؤ الاوليغارشية اللبنانية مع منظمة يهودية ,سيما ان لبنان كان في نهوض اقتصادي بعد "ثورة 1958", وصعود المد القومي العروبي , واذا جرت المقارنة مع اليوم , فان الإفلاس الذي حصل في لبنان منذ تحريك المظاهرات, بذريعة رفع تسعيرة "الواتس اب" في الوقت الذي كانت مفاوضات حول الثروة البحرية اللبنانية في اوجها والتي يمكن ان تنتشل لبنان من كبوته المالية والاقتصادية بسبب الحصار والابتزاز الاميركيين , وهو ما كانت تنظر جهات لبنانية باعتقاد واهم انه يلوي ذراع المقاومة , فتخطف الحكم من جديد .