أقلام الثبات
عالج الأميركيون مسألة قانون تمويل الحكومة الفيدرالية، باتفاق على تمويل مؤقت يؤجّل الاقفال حتى 17 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل وبذلك تمّ التخلص من هاجس الاغلاق الحكومي، في خطوة تدلل على فشل زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الى مجلس الشيوخ الأميركي في ايلول/ سبتمبر الماضي على هامش حضوره الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي طالب خلالها بمزيد من المساعدات لبلاده.
وصوّتت الأغلبية في الكونغرس الأميركي على قرار التمويل المؤقت، لكن الثمن المدفوع من أجل التسوية كان أن أزال البيت الأبيض والديمقراطيون الدعم المالي لأوكرانيا من ضمن التشريع الجديد لتمرير الاتفاق، وذلك بعدما عارضت كتلة وازنة من الجمهوريين إعطاء مزيد من التمويل لأوكرانيا.
يحاجج الرئيس جو بايدن ومعه الديمقراطيون، بأن تخصيص 24 ملياراً إضافياً لأوكرانيا هي لمصلحة الأمن القومي الأميركي، وذلك لإضعاف روسيا وإغراقها في حرب استنزاف طويلة، تخرج معها من التنافس مع الأميركيين على النفوذ الدولي.
بينما يقول المعارضون لهذا التمويل، أن إنفاق هذه الأموال هو من دافعي الضرائب الأميركيين وعلى حسابهم، وأن هناك شبهات فساد أوكرانية في صرف تلك المساعدات، وأن التركيز الأميركي على الحرب في أوكرانيا وتمويلها لمواجهة التهديد الروسي يصرف الأميركيين عن التهديد الصيني المتعاظم، وهو تهديد أكبر وأخطر من التهديد الروسي.
وبالرغم من عدم اقتناع البيت الأبيض بحذف بند تمويل حرب أوكرانيا، إلا أن الإغلاق الحكومي، وهو ليس استثناءً في الولايات المتحدة (سبقه 21 إغلاقاً في فترات متفاوتة) يرتب هذه المرة تداعيات اقتصادية أكبر بسبب التضخم وارتفاع كلفة المعيشة، وحيث حذرت وكالة موديز أن الاغلاق سيكون سلبياً على الديون السيادية الأميركية، ما يهدد تصنيفها. وبالإضافة الى التداعيات الاقتصادية، سيكون له تداعيات سلبية على الديمقراطيين والرئيس بايدن في ظل بدء السباق الرئاسي والمعركة الانتخابية الحامية التي ستشهدها البلاد عام 2024، علماً أن الاغلاق قد يمتد لشهور عدّة في حال حصوله.
وهكذا، تجرّع الديمقراطيون كأس تأجيل الاغلاق بالتنازل عن بند تمويل أوكرانيا، بالرغم من أنه يشكّل ضربة معنوية "مؤقتة" للديمقراطيين، حيث دخل موضوع أوكرانيا والحرب الروسية الاوكرانية في خضم الصراع الانتخابي الرئاسي، ولأن الحرب الأوكرانية ونتائجها أساسية في تقييم السياسة الخارجية للرئيس بايدن.
أما بالنسبة للأوروبيين، فإن هذا التصويت يعطي رسائل مشجعة لمعارضي الحرب في أوروبا، ضد حكوماتهم ومسؤولي الاتحاد الاوروبي الذين يعتبرون أن إخضاع روسيا عسكرياً ومساعدة أوكرانيا لأستعادة أرضها وهزيمة الروس هو أولوية بالرغم من كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها دولهم جرّاء هذه الحرب وتداعياتها.
في المحصلة، وبالرغم من التجاذبات في الكونغرس الأميركي وحذف بند إقرار المساعدات لأوكرانيا، من غير المتوقع أن يؤدي التباين الأميركي الى تغيير في مسار الحرب الأوكرانية (أقلّه في المدى المنظور)، ولن يسحب الأميركيون دعمهم لأوكرانيا في الوقت الراهن، خاصة أن عقلية الحرب الباردة ما زالت تسيطر على النخبة الأميركية من كلا الحزبين، وأنهم - بالرغم من أولوية التهديد الصيني حالياً بالنسبة للاستراتيجية الأميركية- فما زالوا يعتبرون التهديد الروسي أساسياً في صراعهم على النفوذ في العالم. وعليه، لن يتخلى الأميركيون عن دعم أوكرانيا في استنزافها وحربها ضد الروس، الى أن تنقلب موازين القوى الميدانية بشكل يحتّم عليهم ترك الأوكران لمصيرهم كما حصل في دول متعددة في السابق.