رئيس للتطبيع ـ عدنان الساحلي

الجمعة 29 أيلول , 2023 10:20 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
يخطىء من يظن ولو لثانية واحدة، أن الصراع القائم في لبنان، حول من يكون رئيس الجمهورية العتيد، هو صراع حول أشخاص أو مناطق، أو حتى مصير طوائف، أو أنه صراع محلي صرف، في تزاحم الموارنة المعتاد على الوصول إلى كرسي بعبدا، باعتبار أن كل ماروني يحلم بأن يكون رئيساً للجمهورية، مثلما يحلم المسلم السني بأن يكون رئيساً للحكومة، ويحلم المسلم الشيعي برئاسة مجلس النواب.
والأهم في هذا الظن الخاطىء، هو الفصل بين ما يجري في لبنان وما يجري في المحيط العربي، التابع للسياسات العالمية والمتأثر بها. فما نعيشه كلبنانيين ونعاني منه، هو استمرار ومواصلة لتنفيذ الخطة الأميركية-السعودية، الرامية إلى ضم لبنان إلى طابور المطبعين العرب، من أنظمة الخيانة التي فرطت بالحقوق الوطنية والقومية وبالكرامة الإنسانية؛ وبكل ما يمت إلى المبادئ السامية التي تفتخر بها الشعوب.
هي معركة بدأت منذ أن أعلنت الحرب على كل من يرفض الاعتراف بالكيان المغتصب لفلسطين. وتطورت مع توريط لبنان بالديون، لتفليسه كدولة ولإفقار شعبه، بحجة أن تلك الديون ستوفيها أنظمة عربية، عندما ينضم لبنان إلى طابور الاستسلام العربي، المسمى زوراً مشروع "السلام". وتعمق المشروع غارزاً سكاكينه بلحم اللبنانيين، بتواطؤ من حكام نظام المحاصصة والفساد الطائفي، الذي لا يجرء أركانه على إغضاب الإدارة الأميركية، في وقت يتعيش فيه هؤلاء الأركان على فتات مكرمات دول النفط ومقاولاتها.
    وهذه الحرب على اللبنانيين، تطورت إلى "حرب تجويع وافقار وتطويع "، لاستتباعهم للإرادة الأميركية و"الإسرائيلية" ولمشاريعهما في المنطقة، من دون أن تتأثر حتى الساعة بالإخفاقات التي تواجه هذه المشاريع، أو بالتطورات التي تشهدها المنطقة والعالم، طالما أن المسؤولين اللبنانيين ما زالوا على ولائهم للأميركي؛ ويحركهم خوفهم من أن تطال عقوباته "أموالهم"، التي سرقوها من جيوب اللبنانيين ومن خزينة ماليتهم العامة؛ وهربوا إلى الخارج ما لم يحولوه منها إلى دور وقصور وشركات واستثمارات.
وفي سياق هذا المخطط الإجرامي بحق لبنان واللبنانيين، شنت حروب على لبنان وافتعلت أزمات ونفذت اغتيالات، ولم تترك وسيلة أمام الأميركي ومعه أتباعه من دول الغرب والعرب، إلا وجرى تنفيذها. فالمطلوب خطف قرار لبنان واللبنانيين بالكامل إلى حضن الأميركيين و"الإسرائيليين"، من دون أنصاف حلول. وجرى افتعال "ثورة"، كانت أهدافها غير أهداف الناس وشعاراتها غريبة عن أوجاعهم؛ ومطالبها بعيدة عما يريدونه من مطالب. كانت تلك "الثورة" التي نفذتها الجمعيات "الأهلية" الممولة من السفارات الغربية، برعاية وحماية أحزاب وقوى سياسية، إشارة انطلاق لسباق في حرب على العملة الوطنية، هربت تحت ظلال دخانها وضجيجها، الأموال المودعة في المصارف إلى الخارج؛ وهربت معها أموال السياسيين والنافذين. وتدنت فيها قيمة العملة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة.
لم يترك المتآمرون على لبنان واللبنانيين وسيلة ضغط وإرغام إلا واستخدموها، حتى اجبروا مئات آلاف اللبنانيين على الهجرة، سعياً وراء فرصة عمل ولقمة عيش عزت عليهم في وطنهم. وهم هذه الأيام يضغطون بالتلويح بالفلتان الأمني وبإغراق لبنان بطوفان النازحين واللاجئين إليه، في مخطط يراد منه تهديد لبنان بوجوده، ما لم ينضم ويرحب "بالانتصار" الجديد الذي يسعى كيان العدو "الإسرائيلي" لتحقيقه، من خلال تطبيع علاقاته مع المملكة السعودية، التي قال ولي العهد الملكي فيها، محمد بن سلمان، انه حدث بات قريباً حصوله.
وحرب هذه الأيام على اللبنانيين، لا تختلف عن معركة إسقاط حلف بغداد الأميركي؛ ومنع انضمام لبنان إليه خلال حكم كميل شمعون. لكن الأميركي وأتباعه تعلموا فيها الدرس ومارسوا سياستهم عكسياً. فخلال عهد شمعون الموالي للأميركان، جرى الترويج لعهد "البحبوحة"، حيث اشترى الأميركيون موسم التفاح؛ وأغدقوا على لبنان بكميات من القمح الفائض عنهم. فيما هذه الأيام فرضوا الحصار والإفقار والتجويع، تحت عنوان "قانون قيصر". والهدف كان وما يزال منذ عشرات السنين: الإمساك بالقرار اللبناني بالكامل، لدفعه نحو الاعتراف بكيان الغزاة الصهاينة على أرض فلسطين. وهذا سبب الإصرار على رفض ما يسمى "مرشح الممانعة". فسليمان فرنجية ابن هذا النظام وأحد أركانه. ولا يستطيع احد المزايدة عليه لا في مارونيته ولا في تمسكه بالنظام الرأسمالي القائم؛ ولا بالمحاصصات المعتمدة أو بصيغة تعايش الطوائف القائمة. مشكلة المعارضين للحوار ولانتخاب رئيس ضمن التوازنات القائمة، أنهم يريدون رئيساً يقلد بشير الجميل، في ولعه بالعلاقات مع "الإسرائيليين"؛ وفي الاستعانة بهم ضد شركائه في الوطن. يريدون رئيساً يصفق لإبن سلمان عندما يلتقي ب"الإسرائيليين" ويهلل "لإنجازه". رئيساً يقدم الولاء والطاعة في خيمة السفير "البخاري". وإذا أمكن له يقمع الشغب اللبناني والفلسطيني عند رفضه لفعل الخيانة والتطبيع.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل