أقلام الثبات
قبل أن تُبدي الأطراف المسيحية المعارِضة للمقاومة في لبنان، رأيها في وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله، قد يكون أجدى بها، أن تستعرض حصاد خيبات الأحلاف السياسية المسيحية، التي قامت لمواجهة أحلاف مسيحية أخرى منذ السبعينات، في زمن زعامات الأسلاف - رحم الله الجميع - ريمون إده وكميل شمعون وبيار الجميل وسليمان فرنجية، وصولاً الى الثمانينات بين المرحوم بشير الجميل وشقيقه أمين، ولاحقاً بين أمين وسمير جعجع وايلي حبيقة، وصولاً الى "كتائب المر" عندما وجد المتنيون أنفسهم بحاجة لمن يحميهم خلال الحقبة السورية، وانتهاءً بتجربة تحالف النائب المرحوم ميشال المر مع كتلة "لبنان القوي" برئاسة النائب العماد ميشال عون، والتي دامت أشهراً، وأخيراً تجربة النائب والوزير السابق سليمان فرنجية الذي انضمّ لنفس الكتلة لفترة بسيطة، ومن بعدها بدأت حرب الديوك المُعلنة للهيمنة على الدجاجة المسيحية مع صيصانها، الذين نشأوا في أجواء أهَّلتهم عبر ثلاثة أجيال لأن يكونوا ديوكاً صيَّاحة على بعضهم البعض.
تشبيه السياسيين بالديوك ليس منقصةً، كما أن تسمية الصيصان لأشبال الأحزاب لا يحمل الإساءة، لكن التدريب على الصياح الصحيح لا يحصل كما يجب، خاصة أننا بلغنا على الساحة المسيحية مرحلة عجقة ديوك، يتصايحون في الإعلام وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، وكل تغريدة تحدِّي على "تويتر" من هذا الديك أو ذاك، تُشعل صفحات "الفيسبوك" و" الواتس آب" بين المُناصرين، سواء بلغ هؤلاء عمر الديوك أو أنهم ما زالوا صيصان سياسة، وعبثاً تحاول بكركي جمع الديوك على بضع حبيبات قمح أو قربانة مقدسة.
وواقع المسيحيين في لبنان لا يختلف عن باقي الطوائف ولكن، كثرة الديوك لديهم هي التي تُعيق مبدأ القيادة، لأنهم لا يتوافقون على "الديك القائد" أو على الأقل على مايسترو مُحايد بينهم.
هُم لا يشبهون الدروز، لأن الدروز أحرص على مجتمعهم الداخلي، وغالبيتهم بايعت "آل جنبولاد" منذ قرن وعقود، ومهما تعددت الديوك، يُحسم الأمر في المختارة وليس في مشيخة العقل التي انقسمت بين يزبكي وجنبلاطي قديماً وحديثاً مع الحفاظ على "وحدة الطايفة" عند اللزوم، وكذلك الأمر لدى الشيعة، بحيث أن أمورهم السياسية مضبوطة ضمن تحالف "الثنائي"، ومرجعياتهم الدينية تتناغم ضمن إطار هذا التحالف، ولا دور سياسي لها سوى تأييد وحدة مواقف القيادات المدنية للطائفة.
وقد يكون الوضع المسيحي أشبه بالوضع السني ولكن، الشارع السني بعد الرئيس المرحوم رفيق الحريري، وبعد اعتكاف نجله سعد، لم يستطع أي زعيم أو نائب سني إعلان نفسه ديكاً سياسياً، لا أشرف ريفي في الشمال، ولا فؤاد مخزومي في بيروت، ولا حتى بهاء الحريري استطاع أن يمتلك زاوية شارع جماهيري من عكار الى الطريق الجديدة وصولاً الى صيدا والبقاع.
أما وأن الأزمة التي يعيشها لبنان حالياً هي في التوافق المسيحي لإيصال ديك ماروني الى بعبدا، فهنا اشتعل صراع الديوك، وكيف لديوك الطوائف الأخرى التدخُّل فيما "القتال والنقار" حاصلان في "القنّ المسيحي"، ولغاية الآن، لا استطاع الديك الفرنسي جان إيف لو دريان تهدئة الوضع، ولا الصقر القطري معززاً بمخالب اللجنة الخماسية تمكن لغاية الآن من لجم الديوك اللبنانية، قبل أن تلقى الدجاجة مصرعها وتذهب الصيصان تحت الدعس.
وفي الخلاصة نخشى أن يكون الرئيس العتيد - إن أتى - آخر ديكٍ ماروني سوف تختاره وتفرضه على الموارنة ديوك الطوائف الأخرى، ولا عجب مستقبلاً لو تغيَّر العُرف، وسط الحديث عن المُثالثة في السلطة- مسيحي، شيعي، سني- أن يدخل بعبدا ديكٌ روميّ على بساطٍ من ريش المُناتفة بين ديوك الموارنة، ولا فرق إذا كان هذا "الرومي" أرثوذكس أم كاثوليك وعلى الموارنة السلام، عندما تغدو ديوكهم مطارنة على مكة.