نجاحات مجانية لجعجع ـ عدنان الساحلي

الجمعة 22 أيلول , 2023 08:48 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
"يرقص" رئيس "حزب القوات" سمير جعجع طرباً هذه الأيام، فهو حقق نجاحات من حيث لا يحتسب؛ وأصاب أهدافاً، من دون أن يتكلف نقطة دم واحدة، خصوصاً أن معظم معاركه السابقة كانت خاسرة واتسمت بالدموية المفرطة.
نجاحات جعجع جاءت على خطين ومن اتجاهين مختلفين: اتجاه "التيار العوني-الباسيلي" واتجاه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
جاء فرح جعجع الطبيعي والمشروع، من جهة "التيار العوني"، لأنه استطاع دفع خصمه اللدود للعودة المعنوية إلى "حظيرة" القوات، بعد تمرد وجفاء مكلفين استمر عقوداً.
فالتيار العوني، الممثل الحقيقي للجمهور التاريخي للرئيس الراحل كميل شمعون، الذي نسخ اسمه: "التيار الوطني الحر" عن اسم حزب شمعون "حزب الوطنيين الأحرار"، شكل حضوره وثقله على الساحة الوطنية والمسيحية خصوصاً، خروجاً وتمرداً على ما سبق لمؤسس حزب القوات بشير الجميل، عندما "وحد البندقية المسيحية" بالقوة، عبر شن حرب الغاء وإبادة بحق "نمور الأحرار" وهم ميليشيا حزب شمعون، في مجزرة الصفرا وعين الرمانة وغيرها؛ وضد الحنش وغيره، قبل رحيل شمعون. وجاء الصدام بين الجنرال ميشال عون وقوات سمير جعجع، في تلك المرحلة، تمردا مدوياً لجمهور شمعون على قيادة القوات. وعندما عاد العماد ميشال عون إلى لبنان عام 2005، عاد حاملا شعارات وطنية عامة، أبرزها نداؤه "يا شعب لبنان العظيم" و"لبنان أصغر من أن يقسم وأكبر من أن يبتلع"، فشكل ما سمي "تسونامي" في الانتخابات النيابية التي تلت عودته، نظراً لحجم التأييد والتعاطف الذي حظي بهما.
هذا "التسونامي" الوطني الذي مثله التيار العوني في تلك المرحلة، ووجه بخطاب "قواتي" مدروس، ارتكز على الطرح الطائفي والعصبوي المتطرف. وبدلاً من تعميق الطرح الوطني المؤقت العابر للطوائف، الذي حمله التيار العوني، كان رد الرئيس الجديد للتيار جبران باسيل، الانخراط في الخطاب الطائفي المتطرف، إلى حد وصفه من قبل الآخرين بأنه خطاب عنصري يزايد على خطاب القوات، في يمينيته وفي طائفيته وعنصريته وفئويته. حتى بات جلياً، أن شعارات "الإصلاح والتغيير" اضمحلت لتحل مكانها شعارات القوات. كان واضحاً أن سمير جعجع نجح في حصار العونيين داخل خطابه المتطرف. فيما كان الوضع الطبيعي، أن وصول الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا، يفترض "عوننت" القوات، لكن الذي حصل أن القوات "جعجعت" العونيين، تحت شعار "أوعا خييك".
مع وصول الرئيس عون إلى قصر بعبدا، خيل للبعض أن هناك تحالفاً سياسياً جرى بين "التيار الحر" و"قوات جعجع" و"تيار المستقبل"، في انقلاب على من أوصل "مرشح المقاومة" (عون) إلى سدة الرئاسة؛ وفضّله على المرشح المقرب من الرئاسة السورية، سليمان فرنجية. وأعطى التوغل في الخطاب الطائفي صفة "قواتية" للعهد الجديد. وكأن ما جرى كان إعطاء جرعة حياة لما كان يسمى قوى 14 آذار، التي هزمت بوصول عون إلى كرسي بعبدا. في حين فسر آخرون ما جرى، بأنه رغبة من صهر الرئيس ووريثه السياسي، باسيل، بالوصول إلى كرسي النيابة في البترون، من خلال دفع ثمن للقوات بتبني شعاراتها، بعدما فشل خلال دورتين في تحقيق هدفه، بالاتكال على شعبيته وشعاراته. لكن هذا المسار الحامل للخطاب الطائفي والعنصري، رسخ جذوره بالانقضاض على الكوادر والأصوات العونية المنفتحة، التي تحمل خطابأً وطنياً عابراً للطوائف، فطرد العشرات منها من جنة التيار، بعدما أصبح تياراً حاكماً. كما همش آخرين ودفعهم إما لمغادرة مواقعهم أو للانكفاء على أنفسهم. واستمرت هذه المسيرة، إلى أن وصلت إلى الكلام عن "أن لا مشكلة لنا مع إسرائيل"، ثم أخيراً إلى تصدر الأصوات العنصرية والمتعصبة والمعادية للمقاومة والعروبة ولكل "الآخر"، واجهة التيار في التعيينات الانتخابية التي جرت مؤخراً في التيار، بتعيين أحد أبرز "الأصوات القواتية" نائباً لرئيسه.
إستهلك حفل المزايدات الطائفة العونية - القواتية حوالى حقبتين من الزمن، ليوصل في نهايته إلى واجهة التيار، شخصيات تبزّ القواتيين في فحيح أصواتها الفئوية والطائفية. فكان الموقف الصادم إثر حادثة الكحالة الأخيرة، بين تصريح الرئيس ميشال عون الرافض للفتنة والداعي للحكمة والتعقل؛ وبين تصريح جبران باسيل وبعض قادة التيار، الشعبوي والطائفي المتعصب، الذي تغنى "برمزية" الكحالة و"بطولة" أبنائها في قتل الناس العابرة للطريق الدولية. في حين أن أبناء الكحالة أبرياء من تلك الجرائم، التي نفذها حزبيون معروفون.
أما على الجهة الجنبلاطية، فمن حق جعجع وهو الذي طالما نادى بالفدرالية وبالتقسيم وبدويلة لبنان الصغير "من كفرشيما إلى المدفون"، من حقه أن يفرح وهو يسمع وليد جنبلاط يشجع ويدعم الشيخ السوري حكمت الهجري، الذي دعا أهالي السويداء إلى "الجهاد" ضد إيران وحزب الله، متناسياً ومتجاهلاً جيوش العدوان "الإسرائيلي" والأميركي والتركي، التي تحتل أجزاء من سورية. مما استفز خصوم جنبلاط، فاتهموه باستعادة حلم الكانتون الدرزي الممتد من السويداء حتى بعقلين، على غرار من "كفرشيما حتى المدفون"، مما يعطي جرعة تفاؤل وشعوراً بالفوز لسمير جعجع، فالظروف أو المثابرة عززتا الحضور القواتي داخل "التيار العوني". كما دفنت الخطاب والمشروع السياسي للزعيم الوطني الراحل كمال جنبلاط، العدو الأبرز لمشاريع حزب الكتائب وخطابه (القوات هي الجناح العسكري السابق للكتائب)، بفعل تناغم وليد جنبلاط مع الساعين لتدمير سورية وتقسيمها، بعدما فشلوا في الإطاحة برئيسها ونظام حكمها. فهل يخطئ من يسمي لبنان الحالي بأنه عصفورية الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل