مقالات مختارة
على الرغم من الهدوء النسبي الذي يخيم على محافظة السويداء وعودة الحياة إلى المربع الأول بشكل تدريجي، فإن استمرار التجمعات الاحتجاجية التي تحمل مطالب معيشية وإدارية وسياسية، وخصوصاً ما يتعلق بضرورة تطبيق تجربة الإدارة الذاتية في هذه المحافظة، يدفع إلى السؤال عن طبيعة العلاقة ما بين القامشلي والسويداء، واتهام القادة الكرد بدفعهم السويداء نحو خيار استنساخ تجربتهم.
تواردت أنباء متلاحقة من السويداء عن سعي لتشكيل هيكل سياسي يقود المحافظة، مترافق مع هيكل إداري يقوم بتنظيم الشؤون العامة للسكان وتأمين الخدمات الأساسية، بعيداً من الحكومة السورية.
هذه الدعوات ليست وليدة الحراك الحالي، بل هي امتداد لدعوات مشابهة خافتة الصوت، بدأت مع ظهور تجربة الإدارة الذاتية في الشمال السوري الممتد من عفرين وحتى ديريك على الحدود السورية العراقية في 19 تموز/يوليو 2014، إثر الفراغ الذي تشكل من جراء انسحاب الجيش السوري من هذه المنطقة، بموجب اتفاق غير معلن مع قادة الكرد.
اتُهمَ القادة الكرد بأنهم قاموا بتحريض السويداء على إعلان قيام الإدارة الذاتية فيها، في محاولة للتأكيد على تدخلهم في أحداث السويداء الأخيرة، بعدما تم رفع علم حزب الاتحاد الديمقراطي في ساحة الاحتجاج، ما أثار المزيد من التساؤلات حول الدور المباشر لهذا الحزب في الاضطرابات وازدياد حدة الانقسامات في المجتمع السوري، في مسعى لتفكيكه أكثر مما هو عليه.
كان من الطبيعي لهذه التجربة الجديدة أن تحاول نشر تجربتها في بقية سوريا، بحكم نتائج الحرب فيها وتضعضع البنيان السياسي العام، ما أتاح للعديد من القوى المحلية إقامة كيانات سياسية وعسكرية منفصلة، ومنها حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يشكل العصب الأساس للحركات السياسية الكردية في سوريا، والوجه السوري لحزب العمال الكردستاني؛ صاحب العلاقة التاريخية مع دمشق منذ لحظة تأسيسه 1978 ومجيء قائده عبد الله أوجلان إلى سوريا 1980.
بدأت المحاولات الجدية لتعميم التجربة على كل سوريا بعد إطلاق مؤتمر الحوار السوري - السوري الأول في عين عيسى في 18 تموز/يوليو 2018، والذي حضرته شخصيات وقوى معارضة من الداخل والخارج، بما في ذلك من السويداء، صاحبة الاهتمام الخاص من المدعوين، وتبع ذلك مؤتمر ثانٍ في 28 تشرين الثاني/أكتوبر 2018 في عين عيسى أيضاً بغياب هذه الشخصيات رغم تفاعلهم عالي المستوى في المؤتمر الأول، لعدم قدرتهم على الوصول إلى المؤتمر الثاني والثالث.
قد يكون حزب اللواء في السويداء هو القوة المنظمة الأكثر تبنّياً لتطبيق الإدارة الذاتية في الحراك الأخير، وهو الحزب الذي تدور حوله شكوك واسعة بمدى علاقته بالمشروع الغربي، وحتى الإسرائيلي، ومتزعّمه مالك أبو الخير المقيم في فرنسا، وهو على الرغم من دعوته إلى هذه الكيانية السياسية، فإنه لم يستطع أن يقيم أي علاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، رغم إلحاحه بذلك، وهذا ما دفع حزب الاتحاد الديمقراطي إلى عدم إصدار أي بيان داعم لحراك السويداء، من منطلق أن ما يجري فيها أبعد من أن يكون محلياً، ورائحة أكثر من 4 دول فيه تزكم الأنوف.
أدى سؤال صالح مسلم، الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، عن تدخلات الحزب في حراك السويداء، فتناول الاتهام من زاوية مختلفة، واعتبر أن اتهام الحزب ليس صحيحاً، وقال: "نريد أن تسود تجربتنا كل أنحاء سوريا. كما أن أنصار هذا التوجه موجودون في كل مكان، وتحميل كل ذلك للكرد أو لحزبنا ليس صحيحاً".
ولدى سؤال الرئيس المشترك لمكتب العلاقات سيهانوك ديبو عن مدى تدخل الحزب في حراك السويداء، كان جوابه قاطعاً: "نحن لا نفرض نموذجنا (الإدارة الذاتية) لا على السويداء ولا غيرها. وفي الأساس، لدينا عقدة تاريخية من التدخلات السلبية وممارسة الوصاية لحل القضية الكردية، وبنات وأبناء جبل العرب/السويداء هم الأكثر قدرة على تقرير وجهتهم الوطنية والحفاظ على وحدة سوريا وسلامة سيادتها".
وفي الوقت نفسه، حذَّر من مخاطر ابتعاد الحل السياسي الضروري لجميع السوريين، وما يحمله من تهديدات لشكل سوريا المتوقع: "كل يوم، يتم وضع العصي في عجلات العملية السياسية، والحل السياسي السوري على أساس القرار 2254 يعني تثبيت سكاكين التقسيم".
وحذر أيضاً من استمرار الأزمة السورية من خلال موجة جديدة من الحراكات: "هذه الموجة الثانية التي تعم أغلب المدن السورية. من المهم التوقف عند المطالب الشعبية المحقة وقطع الطريق أمام التدخلات الأجنبية".
واعتبر أن الحل يبدأ بحوار بين دمشق والقامشلي واستحالة العودة إلى صيغة عام 2011: "البدء بحوار حقيقي بين الشام والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا كبداية انطلاق، وواهم من يفكر في أن سوريا توقفت في الشكل الإداري وشكل الحوكمة في 2011، ويجب أن تعود وفق تلك الصيغة شديدة المركزية التي جُلبت، والتي تتحمل بشكل أساس ما حدث وما يحدث.
على الرغم من النفي القاطع لعلاقة القامشلي بأحداث السويداء وعدم وجود أي علاقة مع حزب اللواء، فإن هذا لا يلغي تأمل وتمنّي تعميم الإدارة الذاتية على كامل الأراضي السورية، بما في ذلك السويداء، بما يحقق حلم تحقيق الرؤية السياسية لعبد الله أوجلان في بناء نواة شرق أوسط جديد انطلاقاً من سوريا بعنوان أخوّة الشعوب.
وفي الوقت نفسه، هناك إدراك غير معلن حتى الآن باستحالة تنفيذ ذلك، بحكم واقع الصراع الإقليمي والدولي ووجود قوتين إقليميتين كبريين، هما تركيا وإيران، إضافة إلى رفض سوريا القاطع حتى الآن، عدا عن كون مشروع الإدارة الذاتية المعمم يمنح القوى الإقليمية والدولية المزيد من القدرة على التدخل بالداخل السوري، وخصوصاً تركيا التي تعتبر العدو الأول للكرد، وأن الحل كمرحلة أولى هو مزيج من المركزية التي تمنح الدولة السورية القدرة على كبح التدخلات الخارجية، وشكل من الإدارة المحلية الموسعة التي ترتكز على الإقرار بالحقوق القومية والثقافية للكرد.
قد يكون غير المعلن حتى الآن والمتروك لمستقبل الحوار السوري ونتائجه على الأرض مدخلاً لبدء حوار سياسي أولي يُفضي إلى بدء انفراج سياسي واقتصادي لكل السوريين، ويبقى السؤال: ما هو الموقف الأميركي الذي يعتبر علاقته وأولوياته الاستراتيجية هي مع تركيا المتربصة بسوريا والسوريين؟
أحمد الدرزي ـ الميادين
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً