أفريقيا تشرنق فرنسا ـ يونس عودة

الثلاثاء 12 أيلول , 2023 08:13 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
لم يعد بامكان فرنسا الاختباء وراء الغربال, والمكابرة على الرحيل من افريقيا المنهوبة, وقد بدا ملموسا ان وسائل الاعلام الفرنسية المدارة من اجهزة الامن, وبالاخص الاستخبارات الخارجية تمهد للراي العام الفرنسي لواقع كانت تعتبر الخضوع له لا يزال بعيدا, الا وهو اخلاء الجيش الفرنسي اخر مواقعه في افريقيا, بعد الترحيل القسري من مالي وبوركينا فاسو.
ما يحدث في القارة السمراء من تحركات  ليس مجرد انتفاضات ضد انظمة الحكم بعنوان "انقلابات" عسكرية, على انظمة حكم غير عادلة في توزيع الثروة الوطنية, وانما هي في الجوهر حركات تحرر وطني ضد الاستعمار باشكاله الجديد عبر الاقتصاد الذي يسيطر على السياسة, والثقافة حيث يجري مسح الذاكرة, واحلال مفاهيم تعاكس الانسانية بكل اوجهها.
ان ما يجري في المخاض الافريقي, لا  شك تموضع تلك البلاد التي كانت تسمى بالمجاهل, يدل على حركة وعي شعبية رفضا للقهر المستمر بادوات محلية اورثها الاستعمار سلطة شكلية تحافظ بها على امن ناهبي البلاد من الشركات الاجنبية المولودة من ابوين مستعمرين, والا ما خرجت الناس  الى الشوارع تؤيد جيش "الانقلابات " العسكرية,  بعدما كان الجيش اداة قمعية بايدي السلطات السياسية الموالية  للدول المكابرة استعماريا  والتي هي ركيزة مهمة في حلف "الناتو", سيئ الصيت والسمعة.   
ان  ما شهدته الغابون والنيجر ليس بعيدا عما جرى في مالي وبوركينا فاسو وتشاد ومنطقة الساحل والصحراء عموما، وهي الهادفة الى التغيير, اوالانتقال الى مرحلة لا تشبه سابقتها جراء الفشل المريع للوصفات الغربية في التنمية والاستقلال الكاذب, وقد ساهمت عوامل كثيرة  في ذلك، وأبرزها الفشل  في احداث  تغيير حقيقي خصوصا في قاعدة البيئة الاقتصادية والسياسية اذ ان الشعوب  ما زالت تعاني اقتصاديا،رغم الثراء الباطني لتلك الدول   ومعظمها يرتبط بدائرة المصالح الفرنسية ، وبالتالي يزداد الشعور بعدم وجود استقلال اقتصادي عن "المستعمر السياسي السابق".
اذاً هي تغيرات ترتبط بوجود صحوة شعبية تجاه الوجود الفرنسي بكافة أشكاله، وأيضا وجود لاعبين أخرين في القارة يضغطون بشدة على إزاحه النفوذ الغربي ومنه الفرنسي، فالخط الممتد من إفريقيا الوسطى وتشاد ومالي، وبوركينا فاسو والسنغال، والآن الغابون والنيجر لم يعد يرغب في الوجود الفرنسي، كذلك الأجيال الشابة الجديدة في تلك الدول وهي أجيال متعلمة وقادرة على قراءة الواقع الدولي ونقد الوجود الفرنسي في دولها والتي رأت التنمية والتطور الفرنسي، ولكنها لم تراه في دولها وبما أشعرها بوجود استغلال لثروات تلك الدول من جانب فرنسا".
ليست تلك الصحوة ,اذا جاز التعبير, معزولة في الجوهر عما يجري في العالم من تموضعات جديدة اذ ان  الذين يقودون التغيرات يعرفون أنهم سيجدون داعما لهم من قوى أخرى، وقارة إفريقيا منذ فترة تحدث بها تغيرات وهي صدى لتغيرات في النظام الدولي وترتبط بها، والرغبة في وجود نظام دولي آخر, وقد ظهرت مؤشرات مهمة خلال تظاهرات التأييد لتحركات الجيش اكان في النيجر او الغابون تدل على ذلك , واذا جرى التدقيق فان التحركات تزامنت مع انعقاد اجتماعات دول بريكس,  التي انضم اليها اعضاء جدد ,ويطمح الكثيرون الى الانضمام بعدما ارهقت دولهم حتى الذبول من الوصفات الغربية وشركاتها المهيمنة , وهو الامر  سيفتح الباب واسعا أمام روسيا والصين وأعضاء البريكس الجدد كإيران الذين يتطلعون لتمويل إفريقيا وتبادل المصالح الاستراتيجية, من دون لوثة الاستعمار وتدخلاته باصغر الشؤون حتى اكبرها .

ان الغرب ولا سيما فرنسا يحصد اليوم نتائج زرعه, وهو سيضطر لخوض معارك جديدة في ظل ترهله الاخلاقي والاقتصادي من اجل المحافظة على ما امكن من استثمارات شركاته, لكنه ذلك دونه عوائق جمة اذا استمر في اساليب تفكيره. فالعالم يتقدم بخطى ثابتة وواثقة نحو التغيير, الذي يسعى الغربيون بكل ثقلهم الى عرقلته من دون ان يدركوا ان حركة التاريخ الى الامام. وهو الامر الذي عكسته قمة دول العشرين مع تمرد دول الجنوب على توجيهات واشنطن واختاروا في السياسة والاقتصاد.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل