أقلام الثبات
كان من يمكن الا يقع بعض اللبنانيين في الشرك الاميركي, المخطط مسبقا مع عدوهم التاريخي, المسمى "اسرائيل, وكان يمكن للبنان الرسمي ان يدرس ملفاته جيدا, والذهاب الى الامم المتحدة برؤية واضحة تقفل الطريق على الاجتهاد في اللحظة القاتلة, سيما ان الغالبية العظمى من اللبنانيين باتت تدرك من خلال التجربة المؤلمة مع الاميركيين على اختلاف سلطاتهم بان المصالح الاميركية - المعطوفة على مصالح الكيان الصهيوني المؤقت لا تقيم وزنا للبنان, لا بل تستخدم بيادق سياسية واعلامية واقتصادية محلية تتعارض مع المصالح اللبنانية.
ليس صحيحا ابدا ان غالبية اللبنانيين راضون عن الصيغة النهائية لقرار التجديد لقوات اليونيفيل المعززة في جنوب لبنان بالصيغة التي اخرجت على اللبنانيين وكأنها قدر لا يرد بحيث ان القرار التجديدي الذي اعتمد بغالبية 13 صوتا مع امتناع روسيا والصين، ويدعو كل الأطراف إلى "ضمان احترام حرية تنقل اليونيفيل في كل عملياتها وحرية وصول اليونيفيل إلى الخط الأزرق وعدم عرقلتها". وأن "اليونيفيل لا تحتاج إلى تصريح أو إذن مسبق للقيام بمهام تفويضها" و"يُسمح لها بتأدية عملياتها بشكل مستقل" لكنّه شدّد على ضرورة "التنسيق مع حكومة لبنان".
ان النص المطاط فيه كل عوامل فخ اميركي اذ ان الولايات المتحدة لم تحجب يوما نواياها الخبيثة بان إن هذه القوات "لا تقوم بمهامها بالقوة المطلوبة"، علما ان اصل القرار ومن ضمن المهام سوف تراقب وقف الاعتداءات، ومرافقة ودعم القوات اللبنانية في عملية الانتشار في جنوب لبنان، الخ. ولذلك فان الجيش اللبناني انيطت به مهمة مرافقة القوات الدولية خلال دورياتها سيما وان ابناء الجنوب باتوا يشيرون بالاصبع الى "الجواسيس" الذين يعملون لصالح تلك هذه القوات, وربما لضباط فيها جندتهم المخابرات" الاسرائيلية".
ان التجارب مع القوات الدولية المنتشرة بقرارات تحمل ارقاما من مجلس الامن, بموافقة الامم المتحدة, لم تكن يوما موثوقة على مستوى العالم , وبالاخص في الصراع العربي - الصهيوني, وبقضية فلسطين, لا بل ان قوات الاحتلال واجهزتها الامنية طالما اعتدت على تلك القوات, وعلى رموز الامم المتحدة اذا لم يعجبها اقتراح, ويؤخذ على قوات يونيفيل عملها في لبنان بمبدأ الحياد في الصراع اللبناني - الاسرائيلي، وهي لم تستطع مرة واحدة صدّ او منع العدوان "الاسرائيلي " على المدنيين اللبنانيين أو منع اجتياز الحدود الدولية اللبنانية، وكرر الجيش "الاسرائيلي" إنتهاكا ته القانون الدولي وحدود لبنان وسيادته المكفولة بالشرعية الدولية والقانونية كما حدث في اجتياح 1982، والاعتداءات الكبرى العامين 1993 و1996 وحرب العام 2006، كما لاقت تقاريرها الدورية تجاهلاً ملحوظاً أو مرفوضاً من قبل المنظمة الدولية.
واذا اردنا ان نعود بالتاريخ , فليس مصير الوسيط الدولي للأمم المتحدة الكونت فولك برنادوت الذي تعرض للقتل على يد عصابات الهاغاناه وأرغون بسبب اقتراحه وضع حد للهجرة اليهودية ووضع القدس بأكملها تحت السيادة الفلسطينية.الا اول دليل في مسار الارهاب الصهيوني المنظم على مستوى السلطات بالتزامن مع انشاء الكيان وقبوله كدولة في الامم المتحدة كميراث بريطاني.
لقد أثارت تلك اقتراحات برنادوت غضب الصهاينة الذين وعدتهم بريطانيا بوطن على ارض فلسطين فاتفقت منظمتا أرغون التي يرأسها مناحيم بيغن وشتيرن برئاسة إسحق شامير على اغتياله، ونفذت بالفعل عملية الاغتيال في 17 أيلول 1948، فقتل كوسيط مكلف من الامم المتحدة وبترشيح بريطاني مع ضابط فرنسي برتبة عقيدعن عمر الـ 53 عاماً, بينما تراس كل من بيغن وشامير لاحقا حكومات في الكيان الصهيوني.
ليس سرا ان القوات الدولية العاملة في لبنان منذ ظهور الصراع العربي الاسرائيلي على الساحة العالمية فشلت في فرض احترام ما يسمّى «الشرعية الدولية» على الطرف المعتدي اسرائيل، على الرغم من الخروقات الاسرائيلية المستمرة منذ اجتياحها الأول للجنوب اللبناني العام 1978 والاستهداف المستمر لمراكز الأمم المتحدة وبعثاتها، كما حدث في مجزرة قانا الأولى العام 1996حيث قصفت مقر الامم المتحدة عن عمد بعد لجؤ مدنيين للاحتماء من الارهاب الاسرائيلي، أو جرى من استهداف قوات المراقبين الدوليين في الجنوب اللبناني في تموز 2006 الذي أسفر عن مقتل 4 منهم من جنسيات مختلفة.
لم تكن حكومات الكيان ايا كانت, لتجرؤ على ارتكاب الجرائم الدولية, من دون الغطاء الاميركي, اكان مسبقا, او لاحقا, ولذلك يبدو مستهجنا الا يدرك اللبنانيون, ولا سيما السلطات الرسمية, او القوى السياسية غير المأجورة, او تلك المسمسرة للمشاريع الاميركية الهدامة, ان اعداء لبنان, والذين يعملون على الغاء دور الجيش اللبناني بمرافقة القوات الدولية, هم الثلاثي الذي يريد اغراق لبنان وان الهدف هو السيادة اللبنانية اولا, وهتك دور الجيش اولا وثانيا, ولعل ما جرى من ضغط اميركي, مصحوبا بدعم بريطاني - فرنسي اثناء استصدار قرار التجديد بعد تاجيلات يقنع المترددين والمشككين ان واشنطن لا تضمر للبنان وجيشه الا الشر الذي تغلفه احيانا بابتسامات ووعود ثبت كذبها.
ايضا ليس مستغربا موقف دولة الامارات التي جمعها المرحوم الشيخ زايد, وتعمد سلالته على تبديد احلامه العربية , وليس هجوم ابو ظبي تحديدا باعتبارها المستولية على السياسة الخارجية للدولة, على المقاومة الا من ضمن الدور المناط بها من السيد الاميركي, الذي زرع بينها وبين السعودية التي طالما كانت اقرب الحلفاء شرخا واسعا لا يبدو ان جسره سهلا , بعدما اعتبر ولاة الامارات ان انتفاخهم ونفخهم حقيقة اميركية لا تبددها المصالح, ومن ضمن الانفتاخ النصيحة الاميركية برفع لهجة قرار مجلس الامن عبر الامارات والذي عادت واختزلته واشنطن في سياق تعمية الخقائق, واظهار سطوتها مع وجه في المرونة الكاذبة والواقعية.
لقد اثبت الاميركيون دوما انهم الد اعداء لبنان كما الكيان تماما, الا ان بعض القوى الغوغائية لم تتعظ من دروس الماضي وعبره, لانه من المستحيل ان تقنع الذباب بان رائحة الورد اجمل من رائحة القمامة. ولعملية "اظهار الحدود"او ما يسمى الترسيم مرام اخرى في الابتزاز الاميركي.