وطن مرتهن وشعب ذليل ـ عدنان الساحلي

السبت 02 أيلول , 2023 11:43 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

سيكابر البعض ويحتج على هذا العنوان، لكن ليقول لنا منصف عما حدث في لبنان خلال الأيام القليلة الماضية، كنموذج لما إعتاد عليه اللبنانيون، ثم ليبصم بالعشرة، بأن لبنان بلد تابع ومرتهن، وشعبه ذليل أضعف من ارملة كسيحة، مقطوعة من شجرة.

منذ أيام عاد الضابط "الإسرائيلي" الحامل جنسية اميركية، عاموس هوكشتاين، إلى بيروت، فاستقبله أركان الدولة وكبار القوم إستقبال الفاتحين. وهو بدوره لم يرحم ضعفهم وجبنهم، فأصر على التصريح بأن هدف زيارته هو التمهيد لترسيم الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة. وهذا الترسيم، إذا حصل، لن يؤدي إلى نتيجة أفضل من الترسيم البحري. فالحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة مرسّمة ومخططة منذ أيام الإنتداب الفرنسي على لبنان؛ والإنتداب الإنكليزي على فلسطين. لكن القرار الأميركي المبلغ عبر هوكشتاين لا يجد من يكسره في لبنان، فتنازل أهل الحكم والحكومة عن حدود لبنان البحرية عند الخط 29؛ وتراجعوا إلى الخط 23، فرغبات أميركا أوامر؛ وكيف إذا كانت تلك الرغبات تفرض عبر مندوب أميركي، عمل ضابطاً في جيش العدو "الإسرائيلي" وقاتل ضد الفلسطينيين والعرب؛ وساهم في قتل رجالهم وأطفالهم؛ وفي طردهم من أراضيهم وبيوتهم. وهذا الأمر مستمر في فلسطين أمام أعيننا كل يوم.

وطالما أن لبنان الرسمي هو نفسه، الخائف من سيف الضغوط الأميركية، التي تهدد المسؤولين بعقوبات، أقلها وضع اليد على أموالهم التي جمعوها بالحرام، من سرقاتهم لخزينة الدولة ولأموال المودعين في المصارف، فإنه لن يكون في البر أحسن حالاً من البحر؛ وسيخضع لإملاءات الأميركيين، عبر مندوبهم الصهيوني.

وهذا اللبنان الرسمي، مستقو في الوقت نفسه، على اللبنانيين وغير عابىء بردات فعلهم، لأنه يقهرهم ويبتزهم بأبشع حملة إفقار وتجويع، بعدما أفرغ خزينتهم وهدر مدخراتهم ومداخيلهم، فتدنى سعر صرف عملتهم الوطنية إلى مستوى غير مسبوق، من دون وجود بصيص أمل بتدارك منظور لهذا الواقع. لأن المقصود من إذلال الشعب بالتجويع والإفقار، هو إسكاته عما سيتم التنازل عنه من حقوق سيادية ومياه وأراض وثروة وطنية.

ومثلما بينت المحطات السابقة، أن المبعوث الأميركي-"الإسرائيلي" عاموس هوكشتاين، بعدما إطمأن إلى خضوع المسؤولين اللبنانيين وقبولهم لقاءه والتفاوض معه، شرع في تفصيل التنازلات التي يطلبها منهم، فكانت الأصوات التي نادت بقانا مقابل كاريش، أي عصفور على الشجرة مقابل التخلي عن ثروة مؤكدة، دفعة على حساب التنازلات والإذعان الرسمي. سيكرر الأمر براً وسنسمع تحفظات لا تسمن ولا تغني من جوع. ولبنان الرسمي وعلى أعلى المستويات، سيكرر موقفه في التجابن عن إتخاذ موقف مبدئي وشجاع، فسابقاً لم يتجرأ المسؤول المعني على تعديل المرسوم 6433 بما يتلاءم مع الخط 29، الذي يشكل الحدود البحرية اللبنانية، إنطلاقاً من صخرة الناقورة، التي تعلّم اللبنانيون في المدارس، أنها معلم حدودي ثابت مع فلسطين الحتلة. علماً أن رئيس الوفد التقني العسكري اللبناني المفاوض، حول الحدود البحرية الجنوبية، العميد الركن بسام ياسين، أوضح حينها، أن الخط 23 وضعته "إسرائيل" بتاريخ 1/3/2009 لحماية بلوكاتها النفطية. فاعتمده لبنان "خطأ" في العام 2010.

ومما زاد في طين هوكشتاين بلة، أن الضغط الأميركي، خلال وجود هوكشتاين في بيروت، منع مجلس الأمن الدولي، من الأخذ بالإعتراضات والملاحظات على قرار التجديد لقوات "اليونيفيل" في الجنوب اللبناني، فأعطى تلك القوات حرية الحركة، لتصبح مثل أي قوة محتلة. وأسقط تنسيقها السابق مع الجيش اللبناني؛ وسط صمت مطبق من قبل ادعياء السيادة من ببغاوات الداخل. فيما الموقف الرسمي اللبناني التابع والذليل للسياسات الأميركية، جعل مندوبي روسيا والصين يمتنعان عن التصويت، بدلاً من إستعمال حق "الفيتو" لمنع تمرير قرار لا يرضي لبنان، صاحب الدعوة للتجديد لتلك القوات، طالما أن لبنان لم يستقو بالموقف الصيني والروسي الموحد، خوفاً من إغضاب الإدارة الأميركية.

أما موقف الذل الذي وجد المواطن اللبناني نفسه غارقاً فيه، كما عوده حكامه طوال تسلطهم عليه، بقوة تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف وكبار الأثرياء وأصحاب الوكالات الحصرية، الذي نهب البلد بمحاصصاته وزبائنيته، فكان بذلك الموقف العاجز عن الفعل وعن رد الفعل، تجاه تسلط شركات الأنترنت على اللبنانيين، بحماية من شركائهم كبار رجال الدولة وزعماء البلاد. فوزير الإتصالات تغنى بأنه سيرفع أسعار باقات "الأنترنت" سبعة أضعاف، مما حرض شركات "الأنترنت" الفالتة من أي عقال أو قانون، إلى غرس انيابيها في لحم الشعب، أمام أعين الدولة ومؤسساتها وأولهم وزير الإتصالات. فبينما رفعت مؤسسة "أوجيرو"، التي تتولى مهام وزارة الإتصالات، سعر أدنى باقة لديها من بضع عشرات ألوف الليرات، إلى 420 ألف ليرة، عمدت شركات "الأنترنت"، خلال اليومين الأخيرين؛ ومعظمها يعمل بشكل غير شرعي ولا يدفع للدولة رسوماً، إلى رفع أدنى باقة لديها من إثني عشر دولاراً، إلى ثلاثين دولاراً و"اللي مش عاجبه سيقطع عنه الخط". وهي تستقوي بعجز وزارة الإتصالات و"أوجيرو" عن تأمين خطوط أرضية للمواطنين بحجة عدم وجود أموال أومتعهدين ينفذون الطلبات. فهل هناك من بلد مرتهن ومن شعب ذليل اكثر من لبنان واللبنانيين؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل