أقلام الثبات
لا شك ان الازمات في الدول الاوروبية تزداد تعمقا وبدأت تلتف حول اعناق النظم الحاكمة التي تنغمس اكثر فاكثر في توجهات حلف الناتو العسكرية التي تقودها الادارة الاميركية في المواجهة مع روسيا.
لقد غذا الانصياع للرغبات والغرائز الاميركية روح التمرد لدى شرائح اوروبية في توجيه اصابع الاتهام الى السلطات الحاكمة من جهة, والى االتحرك في الشارع من جهة ثانية, وقد علا صوت قادة سياسيين بلا مواربة بان الحكام يغذون الحرب في اوكرانيا على حساب المصالح الوطنية, وذلك اشبه بالاتهام في الخيانة الوطنية, وهو ما عبر زعيم حزب "الوطنيين" الفرنسي، فلوريان فيليبو، بأن الرئيس إيمانويل ماكرون، يقدم مساعدات ضخمة لأوكرانيا على حساب مصالح بلاده. قائلا : "لقد تم التضحية ببلدنا وشبابنا للجنون الأيديولوجي! هذا يكفي". ووفقا له، فإن السلطات الفرنسية تتجاهل احتياجات المواطنين العاديين.
على سبيل المثال، هذا العام تواجه البلاد نقصا في مساكن الطلاب، ومع ذلك، يواصل ماكرون تقديم حزم مساعدات ضخمة لنظيره الأوكراني.كما انه هاجم قرار الاتحاد الأوروبي زيادة حجم المساعدات المالية المقدمة لأوكرانيا، ووصفه بـ "الجنون". وكتب فيليبو تغريدة عبر "إكس" : "جنون كبير!، سيطلب الاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء 20 مليار يورو إضافية "للدفاع عن أوكرانيا"، وفرنسا وحدها ستقدم 4 مليارات". في وقت، كشفت وسائل الإعلام الأوروبية، أن مستوى الإفلاس في الشركات الأوروبية وصل إلى أعلى مستوى في السنوات الأخيرة، لكن الاتحاد الأوروبي سيواصل نقل الأسلحة إلى أوكرانيا على حساب اقتصاده.
ان الجنون الايديولوجي الغربي في مسعاه الى هزيمة روسيا يمكن ان يحرق اوروبا ليس اقتصاديا فحسب, وانما ايضا يمكن ,وبيقين ان ينهي فتات الدور الدولي الذي تركته الولايات المتحدة, للاوروبيين كسعاة بريد, مقابل الانصياع, وايضا الانغماس في المشاريع الاميركية, بحيث باتت تفقد قدرات الدفاع عن نفسها, اذ انه ووفقا لوكالة "بلومبرغ" فإن مخزونات الذخيرة لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدأت بالنفاد.
لقد تنبه الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بأن استمرار النزاع في أوكرانيا يجعل أوروبا "كالراقصة على حافة فوهة بركان"، مشيرا لضرورة الشروع بمفاوضات من أجل إيجاد مخرج لهذا النزاع. و"يجب أن يجتمع العقلاء حول طاولة المفاوضات، وتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا وإطلاق النقاشات من أجل إدراك فيما إذا كان بالإمكان على الأقل التوصل إلى اتفاق". وأن أفضل طريقة لمساعدة أوكرانيا تتمثل في التوقف عن التضحية بجنودها والبدء في اللجوء إلى القنوات الدبلوماسية.
بالطبع فان ليس من بين الذين يسعرون النار على الجبهة الاوكرانية, من يهتم باعداد القتلى في اوكرانيا, وبالدمار الذي حل ببنبتها العسكرية, فهؤلاء مجرد حطب في المرجل الذي تريده منظومة "الناتو"بقيادة الولايات المتحدة, ان يبقى لاهبا عله يأتي بالاكل الروسي المنشود. كان رئيس الوزراء الإيطالي السابق، جوزيبي كونتي، اكثر وضوحا وصراحة باعلانه, أن استراتيجية حلف شمال الأطلسي تجاه الصراع في أوكرانيا لن تؤد إلى النتيجة المرجوة للحلف، وقال إن: "الاستراتيجية المتبعة حاليا من حلف شمال الأطلسي، والتي تعتمد على الإمدادات العسكرية المستمرة لأوكرانيا ومنطق التصعيد، لم تؤد إلى الهزيمة العسكرية لروسيا، معتبرا أنه لم تكن هناك هزيمة للجيش الروسي في باخموت (أرتيموفسك)، ولم يحدث انهيار بوحداته العسكرية، ولم يكن هناك تراجع خلال الهجوم المضاد الأوكراني". لم يتردد كونتي في الاقرار ,بأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا لم تؤد إلى إفلاسها ولم تقوض اقتصادها، مضيفا أن احتمال زعزعة الاستقرار الداخلي في روسيا انهارت أمام تعزيز قيادة بوتين ونمو الإجماع الداخلي له والسياسة الغربية لم تؤد إلى عزل روسيا، مؤكدا على أن عزلة روسيا لن تصبح بأي حال من الأحوال حقيقة واقعة. بل على العكس من ذلك.
لقد انتهت للتو القمة الخامسة عشرة لمجموعة البريكس بقيادة روسيا والصين باحتمال محدد لتوسعها الإضافي في عام 2024، والذي سيغطي 45٪ من مساحة العالم و38.2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.وشدد كونتي وهو شخصية غير حزبية وسياسي ورجل قانون ,رفض التذلل لاحد للبقاء في رئاسة الوزراء على أن "الصراع في أوكرانيا كشف عن عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على تطوير استراتيجية مشتركة فعالة وممارسة قيادة سياسية واقتصادية مستقلة"، وطالما استهجن تبعية القادة الأوروبيين للولايات المتحدة. اذا كان الجرأة على المستوى السياسي وصلت الى هذا الحد, فانها تركن ايضا الى حركة الشارع من جهة, والى بث الوعي في الدول التي لا تزال حركاتها الشعبية خجولة, بسبب التدجين المقولب من جهة, والالهاء بقضايا قشرية تحمل عناوين الحرية الشخصية وطغيانها على القضايا الوطنية العامة, بموازاة حركات الوعي في بلدان "ناتوية "اخرى تستشعر الكوارث التي ستنجم حتما من الحروب, وامامها مثال صارخ في اوكرانيا, ليقينهم ان بلادهم تلعب بالنار بدفع اميركي, في السياق شهدت العاصمة الهولندية أمستردام، مسيرة احتجاجية داعمة لمحادثات السلام وضد توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، وسار المشاركون فيها حاملين الأعلام البيضاء،ورفعوا شعارات "نحن بحاجة إلى السلام، ويجب على دول الناتو وقف تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا. حتى يكون لنا ولأطفالنا مستقبل"."نريد أن تكون روسيا حليفتنا، وليست عدوتنا. نريد أن تعمل بلداننا على تطوير التعاون في الاقتصاد والثقافة والمجال الاجتماعي"، "نحن ننظر في الاتجاه الخاطئ، وعلينا أن ننظر ليس إلى الغرب والولايات المتحدة، بل إلى الشرق وروسيا".
وفي اليونان, احتشد العشرات أمام سفارة واشنطن في أثينا، احتجاجا على توريد الأسلحة إلى كييف مرددين شعارات مناهضة للإمدادات العسكرية وطالبوا بمراجعة علاقات اليونان مع روسيا لجهة رفع العقوبات.وحمل المتظاهرون لافتات مكتوب عليها: "لماذا يجب علينا تمويل المافيا الفاسدة في أوكرانيا؟"، وأيضا "نريد أن نعمل لا أن نقاتل"، "أوروبا تدفع ثمن الحرب في أوكرانيا"، لا شك ان المآسي التي تنتجها الحروب بغض النظر عمن ينتصر لما كانت لتحصل لو كانت "العدالة الدولية "بخير , والمؤسسات والمنظمات الدولية ليست مطواعة بالقدر الموجود للقوى المتجبرة , ولاسيما في اكبر منظمة دولية مهمتها السلام والامن الدوليين - اي مجلس الامن والامم المتحدة , وهنا اصاب الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا الذي قال :"مجلس الأمن الذي ينبغي أن يكون أمن السلام والهدوء، هو مجلس الأمن الذي يشن الحرب دون التحدث مع أحد".: "لقد ذهبت أمريكا إلى العراق دون مناقشتها في مجلس الأمن، وفرنسا وبريطانيا غزوا ليبيا دون المرور عبر مجلس الأمن، بمعنى آخر، دول مجلس الأمن هي التي تشن الحرب، ودول مجلس الأمن تنتج الأسلحة وتبيعها، اي بمعنى اخر يمكن لحركة الوعي في اوروبا بالضغط على الحكام ان تنقذ القارة وبلدانها مما يدفعون اليه الثلاثي الناتوي في مجلس الامن , الولايات المتحدة بريطانيا وفرنسا