لبنان...التنقيب في القاعِ عن نفط، وفي القعرِ عن دولة! ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 23 آب , 2023 08:45 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لو سلَّمنا جدلاً أن مواقف الواحد وثلاثين نائباً، الذين انتفضوا على رسالة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، وكأنها انتهاك للسيادة، أو أنها امتحان خطي لهم في الوطنية، أو فحص DNA للهوية اللبنانية، فإن ردَّة فعلهم جاءت غير متوازنة مع الواقع، لأنهم أسوةً بكل الطبقة السياسية، شرَّعوا الأبواب للخارج منذ ما قبل الطائف للتدخل عند كل استحقاق، وأنهم ليسوا أكثر من لاعبي "بيت بيوت" في مسرحية بناء الدولة، حيث كل فريقٍ يرغب بدور البطولة، فيما المُخرِج هو دائماً خارجي، سواء كان إقليمياً أو دولياً.

وفرنسا "الأم الحنون السابقة"، هي ضمن المجموعة الخماسية الإقليمية/ الدولية بشأن لبنان، التي تضمّ الى جانبها، مصر وقطر والسعودية والولايات المتحدة، وموقف هذه الدول بات معروفاً، عبر دعوتها اللبنانيين "للتعجيل بانتخاب رئيسٍ للجمهورية، وتنفيذ الدولة إصلاحات إقتصادية من أجل الوفاء بمسؤولياتها تجاه مواطنيها"، لكن جاءت ترجمة هذا النداء على الطريقة اللبنانية من طرف هؤلاء النواب، بحيث بات تنفيذ القرارات ذات الصلة بحصر السلاح بيد الدولة، هو المنطلق الأساسي في المنطوق السيادي لديهم، فيما الشعب اللبناني لا يعيش شيئاً من سيادته، من لقمة الخبز الى حبة الدواء الى كل البديهيات الآدمية بحدها الأدنى.

ولسنا هنا بصدد تشريح مواقف هؤلاء النواب، من المبادرة الفرنسية وتوصيات المجموعة الخماسية، بقدر ما أن التركيبة السياسية لهذا "التجمع النيابي" مُريبة، ليس لأنه من بقايا ناخبي جهاد أزعور بمواجهة "مرشح الثنائي الشيعي" سليمان فرنجية، بل لأنه يجمع كارهي المقاومة ودورها الحاضر والمستقبلي،خصوصا في حماية عملية التنقيب عن النفط والغاز في قاع البحر على الحدود مع الكيان الصهيوني، وما قد يرافقها من مماحكات العدو، فيما الدولة القوية المتماسكة ما زالت في القعر، وتحتاج ليس فقط لشركة "توتال سياسية" واحدة لإستخراجها، بل الى كل دول "أوبيك" و"أوابيك" لمساعدة اللبنانيين في البحث عن سيادتهم!.

والمشكلة الأكبر في هذا التجمع النيابي، ليس لأنه من لونٍ سياسي وطائفي واحد- القوات والكتائب- بل لأنهم حرصوا على ترصيعه بحضور درزي عبر النائب مارك ضو، وحضور سني عبر النائبين فؤاد مخزومي وأشرف ريفي، والجامع المشترك دائماً هو الحقد على المقاومة، من الذين لا يشكلون تلك الحيثية السياسية الوازنة أو الجماهيرية الحاشدة.

ولن نتوقف مطولاً عند النائب مارك ضو، لأنه يعاني من رفض أبناء طائفته له بما يكفيه، لكننا نتوقف عند كل من النائبين مخزومي وريفي. مخزومي شكَّل في بيروت لائحة أراد من خلالها وراثة بيت الحريري، وبالكاد نجا بنفسه في صندوق الإقتراع، وريفي مهما علا سقف خطابه التحريضي على المقاومة - هو الخارج من زواريب باب التبانة مع جبل محسن- يبقى الرجل غير مقبول خارج طرابلس وحدوده "قصر الحلو"، هو الذي "تعمشق" أكثر من سواه على أكتاف ثورة 17 تشرين، ولا يستطيع الشارع السني "هضمه" منذ شرَّع لنفسه التحالف مع معراب وشرَّعت له معراب أبوابها.

هذا هو الحجم النوعي لما يُسمى "تجمع الواحد وثلاثين نائباً"، لا هو قادر على الإنجاز ولا على العرقلة، بل هو مجرَّد "سُلَّم بالعرض" لأي حوار داخلي مطلوب، على الأقل في صورتنا أمام "الأجانب" الذين نراهن على معونتهم لنا للنهوض من القعر، لكن كفانا انتظاراً على "رصيف التسكُّع"، لأن للآخرين همومهم وقضاياهم أيضاً، ولو أننا اعتدنا أن نرى في مخيلتنا الملف اللبناني على كل طاولة بحث، وآخرها استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وزير الخارجية الإيراني، لبحث قضايا خليجية ودولية مصيرية أهم بكثير من لبنان، وليتنا نتوقف عن الوهم أن "هالكمّ أرزة العاجقين الكون"، هذا العالم "معجوق" بها، ونحن بنظر العالم أعجز من أن نكون نواطيراً لها


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل