نصر تموز وحكاية بحر، من إحراق البارجة الى باخرة الحفر... ــ أمين أبوراشد

الأربعاء 16 آب , 2023 10:30 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

سبعة عشر عاماً على نصر تموز 2006، والذكرى هذا العام استثنائية، واستعاد اللبنانيون بشغفٍ أكبر مشهدية إحراق المقاومة للبارجة الصهيونية يومذاك، سيما ونحن على بُعد ساعات من وصول باخرة الحفر للتنقيب عن النفط والغاز في البحر اللبناني، وتحديداً في البلوك رقم 9 المواجِه للكيان المحتل، وربما لولا إحراق تلك البارجة وصهر أجساد جنود العدوان بفولاذ دباباتهم، لما أبحرت نحو لبنان يوماً باخرة حفر، فيما بعض الميليشيات الفاقدة للتوازن الوطني منذ ما قبل تموز 2006، جعلت من شاحنة انقلبت على كوع طريق دولية وكأنها أهم من بارجة أو باخرة حفر!

المؤسف أن اللبنانيين، كل اللبنانيين، إنتظروا إطلالة السيد حسن نصرالله مساء الإثنين، ليس للإبتهاج بذكرى النصر وبقدوم الباخرة / الحلم التي هي جنى دماء شهداء لبنانيين، بل انتظروا الجزئية التي سيتناول فيها السيد نصرالله الحادثة المؤسفة التي حصلت بعد انقلاب الشاحنة، والتي حاولت محطة تلفزيونية "خبيثة"، كما قال السيد، إحداث فتنة أهلية تحت عجلاتها، بالتكافل والتضامن مع قيادات ميليشيوية تبحث لنفسها عن حيثية!

وبصرف النظر عن تفاصيل التحقيقات القضائية عما نتج عن حادثة انقلاب الشاحنة، فإن المأساة التي أدت لسقوط ضحيتين لبنانيتين، كان للقضاء والقدر كلمتهما فيها، بإستثناء التحريض الإعلامي والميليشيوي، هذا التحريض، تابعنا نتيجته عبر الشاشات ومواقع التواصل، سواء كان لمجموعة أولاد بدأوا برشق الشاحنة بالحجارة، أو تصرفات ولَّادية ليست غريبة عن قيادات بعض الميليشيات، التي حاولت قطف الفرصة بخطاب ولَّادي لصياغة الفتنة.

هذه الفتنة، استناداً الى الفيديوهات والتصاريح، حاولت إشعالها ما تسمى "القوى السيادية"، التي عقدت اجتماعاً في بيت الأحرار بالسوديكو، وكان على رأس الطاولة وتلاوة البيان النائب أشرف ريفي، في انعكاسٍ للرغبة في التأجيج وتكشير الأنياب على المقاومة، لكن الوعي الكبير لدى المجتمع المسيحي وعلى رأسه فخامة الرئيس ميشال عون وتياره الواسع، قطع الطريق على مَن يبحثون عن بقايا وجودهم في الساحة السياسية المسيحية، ولم تُترك للراقصين على الأضرحة فرصة إطالة اللعبة.

انتهت الأمور على المستوى الشعبي عند كوع الكحالة بفضل هذا الوعي، قطعاً لكل أنواع التكويعات المعروفة لدى الميليشيات لتحوير الوقائع، وتحويل الأكاذيب حقائقاً، منذ العام 2005 مروراً بمواقف التآمر خلال حرب تموز 2006، ومواجهة الإرهاب عام 2017، وامتطاء أكتاف الثورة عام 2019.

ولذلك، من حقنا اختراق عُباب البحر، لنرتقي مع الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني، وقراءة تاريخنا الحديث جداً، من على شاطىء البحر نفسه، الذي أحرقت فيه المقاومة البارجة الصهيونية قبل سبعة عشر عاماً، وتستعد أمواجه لإحتضان باخرة الحفر للتنقيب عن النفط والغاز خلال ساعات وكأنها على موعدٍ مع ذكرى نصر تموز كإحدى أعظم ثماره.

وكي ننتهي من جدلية البارجة والباخرة والشاحنة على مستوى السجال السياسي الداخلي، فإن الفريق الضامن للسيادة اللبنانية اعتاد على مَن راهنوا على هزيمة المعادلة الذهبية أمام أي عدوان، وهذا شأنهم من منطلق شعارهم "قوة لبنان في ضعفه"، لكن أن يكونوا دائماً عناصر فتنة يتربصون لصنّاع قوة لبنان عند أي كوع، فهذا بات من المحظورات، خصوصاً متى كان سلاح المقاومة الضمانة العظمى ضمن معادلة توازن الردع مع العدو، وبات على هذا السلاح الى جانب سلاح الجيش، مسؤولية ضمان تنقيب لبنان عن خيراته واستخراجها ضمن إطار الأمن القومي الإقتصادي، في زمنٍ لم يعُد هناك من أمل للنهوض من خنقة الأزمة المعيشية التاريخية سوى تلك الباخرة التي تشقُّ عباب البحر..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل