أقلام الثبات
تواصل الدول التي لا تزال تحلم بمد استعمارها إلى أفريقيا, ونهب ثروات القارة الغنية بالموارد, والفقيرة بحياة شعوبها، الاستعداد لإدخال الأفارقة في اتون النار, مع اتساع رقعة التمرد على النظام الغربي المفقر لشعوب طلبا للحرية.
مع انتهاء مهلة الانذار في التدخل العسكري الذي حددته مجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) في إنذارها النهائي للمجلس الوطني للدفاع عن الوطن الذي تم تشكيله حديثًا بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني في النيجر, وبدعم غربي ولاسيما فرنسي ,.تستعد القوى التي سيطرت على الحكم في النيجر بحضانة شعبية واسعة, استعدادها للمواجهة, مع ملاحظة رفض دول في "ايكواس" وكذلك بعض الدول الاوروبية, رفض الاقدام على عمل عسكري قد يلهب القارة باكملها, وقد يطيح بنفوذ الدول المستمرة في حياكة احلام الاستعمار بشكله القديم, والمحدث جزئيا. ولعل تعبير وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، اصدق من عبر من الغرب عن الواقع بصياغة دبلوماسية عما تخطط له وتسعى اليه فرنسا والمصاعب التي يمكن ان تواجه التدخل العسكري بقوله إن "أوروبا منخرطة في العديد من الجبهات العسكرية وأولها أوكرانيا، ولا يمكنها فتح مواجهة أخرى في إفريقيا"و"لا يمكن لأوروبا أن تتحمل مواجهة مسلحة ولا يجب أن ينظر إلينا على أننا مستعمرون جدد لإفريقيا.
على العكس من ذلك، يجب أن ننشئ تحالفا جديدا مع الدول الإفريقية وهو تحالف غير استغلالي".وقال ناياني: "الطريقة الوحيدة هي الدبلوماسية. طبعا هذا الموقف يتناقض بشدة مع الموقف الفرنسي الذي عكسته وزارتا الدفاع والخارجية الفرنسيتين اذ ان الاخيرة اعلنت, وهي المحرك اصلا لمشروع العسكرة، بإن فرنسا تدعم "بقوة" جهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) لإنهاء الانقلاب في النيجر.
واعتبرت الخارجية الفرنسية أن مستقبل النيجر واستقرار المنطقة بأكملها على المحك، بموازاة اعتبار وزير الدفاع الفرنسي، سيباستيان لوكورنو، أن "الانقلاب في النيجر" خطأ فادح في التقدير، وأنه سيؤدي لإضعاف مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. لا سيما في ما يسمى منطقة المثلث الحدودي (بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر). وهذه الدول الثلاث خرجت من النير الفرنسي, واخرجت مالي القوات الفرنسية من اراضيها , وهو ما تحاول فرنسا عدم تكراره في النيجر , وقد حاول وزير الدفاع الفرنسي ذلك من خلال القول أن التواجد العسكري الفرنسي في النيجر جاء "بطلب من السلطات النيجرية "الشرعية" للمساعدة في مكافحة الإرهاب.. اتخذت هذه المساعدة أشكالا عدة وهي: التدريب والمساعدة الاستخباراتية، وكذلك الدعم القتالي بقيادة النيجر.. لذلك، تختلف طريقة العمل عن طريقة عمل قوة "برخان"، التي كنا ننشرها في مالي".
لا شك ان ما حدث في النيجر شكل مفاجأة للغرب عموما ولفرنسا خصوصا , والتي ابرز غضبه بشأنه الرئيس الفرنسي على اجهزة مخابراته اولا , اذ أن ماكرون وبخ رؤساء وكالات المخابرات بسبب عدم توقع انقلاب النيجر،و قال ماكرون إن برنارد إيميه (64 عامًا)، مدير المديرية العامة للأمن الخارجي "DGSE" (وكالة المخابرات الخارجية الفرنسية) كان عليه أن يكون قد تنبأ بالإطاحة بالرئيس محمد بازوم على يد جناح داخل جيشه.وتجلى غضب ماكرون الذي تعمق لديه مفهوم خسارة فرنسا المتتالي لنفوذها في افريقيا التي هي مصدر مهم للعجلة الاقتصادية الفرنسية, بتعبير صارخ :قائلا: "نيجر بعد مالي، هذا الأمر صعب (...) يمكننا أن نرى أن طريقة عمل (DGSE) غير مرضية. عندما لا ترى أي شيء واضح، الأمر يبين أن هناك مشكلة".,ويقصد مشكلة في المخابرات الفرنسية - بمعنى اخر انه سيتم الاطاحة برؤوس استخباراتية فرنسية, الامر الذي حدا بإيميه للدفاع عن نفسه، قائلاً: "كتبت تقريرًا عن الوضع في النيجر في كانون الثاني " بلا شك ان خروج النيجر من القبضة الاستعمارية سيجعل من فرنسا الخاسر الاكبر , بعد خسارة نفوذها في مالي, وسيمنع فرنسا من تنويع مصادرها من اليورانيوم لمحطات الطاقة النووية، والنيجر تزودها بما نسبته 10-15٪ فقط.
بالأحرى، تكمن المشكلة في أن الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، تقدم على مغامرة خطيرة بعد أن خسرت نفوذها، من خلال عدم ردها الصارمة على الانقلابات السابقة والمحاولات، التي حدث سبع منها على مدى السنوات الثلاث الماضية، بفقدان ما تبقى لها من مكانتها.ووصف الرئيس السابق للمخابرات الفرنسية، آلان جولييه، الذي يدير قناة مخصصة للجغرافيا السياسية،ان"ما يحدث بالنهاية التاريخية لحقبة إفريقيا الفرنسية "فرانسافريكا ,,ما أن ينتهى فصل حتى يبدأ فصل آخر على الفور. فالمهم، إذا غادرت فرنسا، من الذي سيحل محلها. حقيقة أن روسيا تقوم بتوسيع وجودها الدبلوماسي في إفريقيا وتقوية نفوذها على جميع المستويات تعني الكثير". أصبحت إفريقيا منطقة مواجهة مباشرة بين فرنسا وروسيا منذ العام 2017.. فبعد تبني العقوبات الغربية الأولى ضد روسيا، قررت سلطات الأخيرة التحول إلى حالة هجوم مضاد.
تريد روسيا تطوير نفوذها في إفريقيا وتقليل النفوذ الفرنسي لتقويض موقف فرنسا... المشكلة هي أن فرنسا تأخرت كثيرًا وأدركت الخطر الذي كان تشكله منظمة فاغنر الذائعة الصيت في جمهورية إفريقيا الوسطى، ثم في مالي".وقد جاءت القمة الروسية الافريقية مؤخرا في روسيا يلتثبت ان مزيدا من البلدان الافريقية تعمل على إعادة التوجه نحو دول ليس لها مطامع استعمارية ، وعلى وجه الخصوص، نحو روسيا.
وأكدت القمة الروسية الإفريقية إمكانية مثل هذا التوجه, بحيث تتوافر جميع المقدمات لتعزيز التنوع الجيوسياسي في القارة، والتي ستختار الشراكة مع موسكو وبكين، وليس مع الدول الغربية". اما الولايات المتحدة فهي مهتمة بجدية بالنيجر، ليس فقط بسبب وجود مناجم اليورانيوم هناك. اذ ان الرئيس محمد بازوم كان يناسب الولايات المتحدة كون تصدير الخام من البلاد لم يذهب إلى روسيا والصين. وانما تخشى واشنطن أن تثير النيجر سلسلة من حركات تمرد مماثلة عبر القارة. وحينها يمكن أن تفقد واشنطن سيطرتها على الدول الإفريقية الأخرى".ولذلك هدد الأميركيون النيجر بعقوبات اقتصادية.وسينفذون تهديدهم. لكن من المشكوك فيه أن تجرؤ الولايات المتحدة على إدخال قوات عسكرية لحل الوضع السياسي.
لكن في ظل ظروف معينة، قد يحاولون اللجوء إلى مساعدة الحلفاء واتباع السيناريو الليبي او الصومال كاخر ورقة " من الواضح ان افريقيا بغالبيتها غادرت موقع السبات على المظالم , وقد تجلي ذلك في اعلان بوركينا فاسو ومالي اولا وغينيا ايضا اذ حذرت سلطات البلدين من أن "أي تدخل عسكري ضد النيجر سيؤدي إلى انسحاب بوركينا فاسو ومالي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (سيدياو)، وإلى تبني تدابير للدفاع عن المشروع دعما للقوات المسلّحة والشعب في النيجر".كما حذّرت السلطات من "عواقب كارثية لتدخل عسكري في النيجر، من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة بأسرها".
كما أعلنت السلطات الغينية المنبثقة بدورها عن انقلاب "عدم موافقتها على العقوبات التي فرضتها سيدياو بما في ذلك التدخل العسكري"، ولفتت إلى أنها "قررت عدم تطبيق هذه العقوبات التي تعتبرها غير مشروعة وغير إنسانية"، وقد حضّت , المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على "إعادة النظر في موقفها". في الخلاصة يجب النظر بدقة الى ما شخصه القائد الأعلى السابق لقوات حلف "الناتو" في أوروبا جيمس ستافريديس: "أن الوضع في النيجر قد يتحول إلى صراع عسكري واسع النطاق في إفريقيا.و احتمال حدوث ذلك قائم بالتأكيد، لكنه سيكون حدثا كبيرا ومدمرا".