أقلام الثبات
بالرغم من قيام السعودية بالعديد من الخطوات التي اعتبرت تحدياً لواشنطن، إلا أن مسار الأمور في المنطقة والمحادثات الأميركية السعودية تشير الى أن الأميركيين يباركون قيام السعودية بدور أكبر في المنطقة، وإن الهامش الذي تتركه السعودية لنفسها ليس عاملاً مقلقاً لواشنطن.
ومنذ ما بعد الحرب الأوكرانية، قامت السعودية بالعديد من الخطوات التي اعتُبرت تحدياً لواشنطن، منها:
1- رفض السعودية تخفيض انتاج النفط بعد الحرب الأوكرانية وتأكيد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنه ملتزم اتفاق "اوبك بلس"، ما اعتبر، حينها، فشلاً لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة، واصطفافاً سعودياً الى جانب موسكو التي تستفيد كما السعودية من أسعار الطاقة المرتفعة.
2- قيام السعودية بعقد تفاهم تاريخي مع إيران في العاصمة الصينية بكين، وذلك اعتبره العديد من المحللين أنه "صفعة" للدبلوماسية الأميركية وتوسيعاً لدور الصين السياسي والدبلوماسي في المنطقة، باعتبارها صانعة سلام وضامنة لاتفاق تاريخي لم يكن ممكناً توقعه، بعدما كاد الخلاف الخليجي الايراني يشعل المنطقة بأسرها.
3- دعوة سورية الى الجامعة العربية واستقبال الرئيس السوري بشار الأسد في جدة، الأمر الذي اعتبر تحدياً للإرادة الغربية التي ربطت التقدم في الملف السوري وعودة سورية الى المنظمات الدولية وما أسمته "التطبيع مع الأسد" مرهوناً بقيام سورية بتنازلات سياسية وتطبيق القرار 2254. هذا جزء من المسار الذي اعتمدته المملكة العربية السعودية في المنطقة والذي اعتبره البعض تخلياً عن حلفها التاريخي مع واشنطن، لكن بالمقابل تقوم السعودية بسلسلة من التحركات السياسية والدبلوماسية التي تبدو منسقة مع الأميركيين، ومنها:
1- القمة العربية التي قامت فيها السعودية باستقبال الرئيس السوري وفتح الأبواب العربية لسورية، تمت اليها دعوة الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلينسكي الى القمة العربية حيث ألقى كلمة ودعا العرب الى دعم بلاده. كما صوتت السعودية لصالح قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي "تطالب روسيا بالتوقف فوراً عن استخدام القوة ضد اوكرانيا" وتدعوها لسحب قواتها من أوكرانيا.
2- ستستضيف السعودية خلال الاسبوع المقبل، محادثات من اجل السلام في أوكرانيا في مدينة جدّة ستضم حوالي 30 دولة بغياب روسيا والصين، مع ترجيح أن يشارك مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، علماً أن محادثات سابقة في نفس الإطار كانت قد عقدت في كوبنهاغن في الدنمارك. وقال دبلوماسيون غربيون إن "الاختيار وقع على السعودية لاستضافة جولة المحادثات على أمل إقناع الصين، التي تحافظ على علاقات وثيقة مع موسكو، بالمشاركة".
3- وأخيراً وليس آخراً، يسعى الأميركيون الى تلبية مطالب السعودية للتوصل الى اتفاق تطبيع بين كل من "اسرائيل" و"السعودية"، ومنها اتفاق أمني بين كل من واشنطن والرياض، والموافقة على برنامج نووي سلمي سعودي، وإعادة صفقات السلاح التي أوقفتها إدارة بايدن.
وكان كل من مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جايك سوليفان، ومبعوث الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، قد زارا جدّة الأسبوع الماضي لمناقشة إمكانية التوصل إلى اتفاق تطبيع، يبدو أنه يشهد تقدماً واضحاً بحسب ما تم الاعلان على لسان العديد من المصادر الأميركية والاسرائيلية.
في النتيجة، يبدو أن السعودية تتجه الى دور أكبر في المنطقة بتوكيل أميركي وليس بمواجهة مع الأميركيين حيث يدرك ولي العهد السعودي أن كلفة تحدي الإدارة الأميركية ليست بالأمر السهل في المنطقة، فالولايات المتحدة ما زالت الأقوى في المنطقة، وما زالت تمسك بالملفات الأمنية والاقتصادية، ولأن الأمر يحتاج الى تغيير شامل في السياسة السعودية التاريخية، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي أدّت الى قيام الأميركيين بتأمين مظلة أمنية لكل من السعودية ودول الخليج مقابل حصول الأميركيين على الحصول على النفط بأسعار منخفضة والسيطرة على طرق الامداد وعلى الممرات الاستراتيجية ما أعطاها ميزة وأفضلية على الدول الكبرى ومنهم الاتحاد السوفياتي سابقاً.