لبنان...مؤتمر تأسيسي قد يقضي على أُسُس الميثاق! ــ أمين أبوراشد

الأربعاء 12 تموز , 2023 09:10 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

قبل أن يندفع دُعاة الدعوة الى مؤتمر تأسيسي نتيجة الفشل في انتخاب رئيسٍ للجمهورية اللبنانية، عليهم ربما قراءة المرحلة التي امتدت من عهد الرئيس إميل إده الى عهد الرئيس الياس الهراوي، أي منذ التزام لبنان أمام المندوب السامي الفرنسي بتطبيق قاعدة ٦ و ٦ مكرر طائفياً في زمن إميل إده، مع إعطاء الريادة للموارنة في وظائف الفئة الأولى، إستناداً الى الإحصاء السكاني عام 1932، وصولاً الى بدعة "الترويكا" التي قامت في عهد الرئيس الياس الهراوي وبات فيها لرئيس الجمهورية شريكان في تقاسم هيبة الحكم، رئيس المجلس النيابي الشيعي، ورئيس الحكومة السني، وبات للدولة اللبنانية ثلاثة رؤوس- إن لم نقُل ثلاثة رؤساء- لا يستطيع أي موفد أجنبي الى لبنان تجاهل الجولة عليهم جميعهم في ما يُشبه بالتقليد اللبناني "برمة العروس".

وقبل أن يندفع الموارنة في استرجاع "العزّ الذي كان"، فإن إحياء "المارونية السياسية" التي تحدث عنها المُفكر السياسي مُنح الصلح في الستينات كنقيض لعروبة لبنان، طلع لبنان منها كما يطلع الخائب من المُولِد بلا حُمُّص، لأن البديل عن المارونية السياسية جاء بالمزيد من الصراعات المذهبية، والعروبة التي لطالما دفع لبنان أثماناً من أجلها، ما أرضت لا اللبنانيين ولا العرب في زمن التطبيع والتطويع.

٦ و ٦ مكرر التي يتباهى بها اللبنانيون كقاعدة ميثاقية في توزيع المنافع بالعدل على المذاهب اللبنانية الكبرى، وردت في الرسالة السادسة للرئيس إميل إده الى المندوب السامي الفرنسي "دي مارتيل" عام 1936، واعتمدت في فذلكتها على تكرار العملية الحسابية الثابتة عند توزيع المنافع ومناصب الفئتين الأولى والثانية على المذاهب الستة مناصفة بين المسيحيين والمسلمين: ماروني وروم أرثوذكس وروم كاثوليك عن المسيحيين، وشيعي وسني ودرزي عن المسلمين، مع تخصيص الموارنة بمنصبي قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وسواهما. ومع الشوائب الجسيمة التي تعتري معادلة ٦ و ٦ مكرر في التطبيق خصوصاً لجهة بروز تعيينات "بالتكليف" بسبب خلافات المحاصصة، تبقى هذه المعادلة مقبولة بالمقارنة مغ كارثة تفسير كلمة "الترويكا" لدى المواطنين اللبنانين العاديين، الذين لا ينتفعون لا من تعيينات الوظائف ولا من خدمات دولة مهترئة نهبتها المجالس المشبوهة والأيادي المًلطخة بقذارات الفساد.

كارثة "الترويكا" في لبنان أنها تحمل تأويلات سياسية متعددة، وأية فرضية ستكون وبالاً على أي مؤتمر تأسيسي قد يُعقد، لأنها سوف تنسف كل معاني الميثاق الوطني اللبناني.

أولاً: البعض ينسب كلمة "ترويكا" الى الحلف الثلاثي، الحريري- بري- جنبلاط الذي تشكل في بداية عهد الرئيس الياس الهراوي، ربما لضبط وتقييد حرية وحركة الرئيس الماروني.

ثانياً: البعض يعتبرها "مُثالثة" في الحكم، بدأت مع الرئيس الياس الهراوي، الذي احتاج الى أموال الرئيس رفيق الحريري لتأمين مكان إقامته المؤقتة بدلاً عن قصر بعبدا المُدمَّر، وبالتالي لا يجوز للهراوي أن يقول للحريري "شحَّدني وأنا سيدك"، فبات الرئيس الحريري القادم من إنجازات الطائف، هو الشخصية الواعدة لإعادة الإعمار، مدعوماً من السعودية ودار الفتوى، وشريكاً حتمياً في الحكم حتى من بعبدا، لينضمّ الرئيس نبيه بري لاحقاً، كونه الرقم إثنين في هيكلية الدولة اللبنانية، وبدأت حكاية دولة بثلاثة رؤوس أو رؤساء لا فرق، في ما تمَّت تسميته لاحقاً "حُكم الترويكا".

ثالثاً والثالثة ثابتة، أن التغييرات الديمغرافية الداخلية والسياسية الإقليمية، جعلت من المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً وكأنهم أهل ذمَّة ضمن الترويكا المارونية- الشيعية- السنية، وما زال الوضع على ما هو عليه وسيبقى، لأن رئيس الجمهورية الماروني يحسبونه -إسلامياً- على كل اللبنانيين لأنه رأس الدولة، ولا يجوز له أن يحسب نفسه على أبناء طائفته أو مذهبه، والبطريريك الماروني في زماننا ليس البطريريك الحويك ولا زمانه، لدرجة عجز البطريريك عن جمع إثنين أو ثلاثة زعماء موارنة على فنجان قهوة، فيما رئيس المجلس مدعوم من الثنائي الشيعي وقواعد جماهيرية موحدة، ورئيس الحكومة كائناً مَن يكون هو مدعوم قطعياً من دار الفتوى، وبالتالي، مثالثة الحكم باتت واقعاً ثابتاً في بعبدا، بعد أن بات الحضور الشيعي في توقيع أي مرسوم، مفروضاً عبر وزير المالية "الشيعي" الى جانب توقيع رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة.

الخطر القادم على الميثاق، هو في وفرة الحديث عن المثالثة المُغايرة للواقع الرسمي الحالي: رئيس جمهورية ماروني، ورئيس مجلس نواب شيعي، ورئيس حكومة سني لأن المثالثة المطروحة هي : مسيحي- شيعي- سني، والخوف كل الخوف، ليس على مارونية رئيس الجمهورية، بل على باقي الطوائف والمذاهب الإسلامية والمسيحية التي تُعتبر أقليات، كالدرزي والعلوي عند المسلمين، وكافة المذاهب المسيحية التي تُعاني من الغُبن حالياً، وتتمّ دعوتها الى المؤتمر التأسيسي للحضور بصفة "شاهد ما شفش حاجة"، وإلى مزيد من التمزُّق في المجتمع اللبناني، في دولة ال ٦ و ٦ مكرر التي يلتهمها أمراء الطوائف وفق قدرة مخالب وأنياب كلٍّ منهم، والسلام على دولة الغاب وحُكم الذئاب، التي لا قيام لها سوى برحيل مَن هُم على عدد أصابع اليد الواحدة، عندها نستطيع أن نحلم برئيس، لديه صلابة ووطنية إميل لحود، وآدمية ونظافة ميشال عون والسلام..


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل