أقلام الثبات
"لا شيء يأتي من الغرب يسر القلب", كلمات ليست مجرد مثل يستعان به لوصف واقع مرير, او انتظار حدث آت او حل, وانما هي خلاصة تجارب تراكمت على مدى التاريخ قبل الغزوات الصليبية, وبعدها في شتى المراحل الاستعمارية المباشرة من خلال الحروب العسكرية والثقافية, وصولا الى الاستعمار الاقتصادي, والتدمير الاجتماعي المزين بعبارات جاذبة, مثل الحضارة والحرية والديمقراطية واهداف الاخيرة الفسوق والفجور وتدمير القيم الأخلاقية، والتطاول على الذات الالهية, تحت شعارات الحرية المعجونة بالعنصرية، بأبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية.
لم يكن ما حصل في السويد في العملية المدبرة لإحراق نسخ من كتاب الله "القرآن الكريم", وهي ليست المرة الاولى الذي يجري فيها استفزاز مشاعر نحو ما يقارب ملياري مسلم, بموافقة ورعاية رسمية من السلطات الا في سياق متصاعد يعكس الكراهية العميقة المغلفة بأكاذيب حرية التعبير, والحق الفردي، مع الاستعانة ببعض المنحرفين واخراجهم من جحور الغرب للناس، وتدبيج سرديات لا علاقة لها باي دين اصلا, ونسبها للإسلام من اجل تشويه السيرة.
ان البعض يحاول الغوص اليوم في التوقيت, والهدف المباشر, بينما الحقيقة هي أعمق بكثير, والهدف الآني تعكير صفاء المياه التي تعود الى انسيابها بين المسلمين بفضل حكمة الذين اكتشفوا اهداف الغرب مبكرا، وكذلك الذين اتضحت رؤية الصورة الحقيقية لهم وان تأخرت، بان الغرب يريد تمزيق المسلمين من خلال فتنة, تارة بين السنة والشيعة, واطوارا بين السنة والسنة, على اسس التموضع السياسي, فيما مخططو الغرب يجلسون على ضفة النهر، يتفرجون والمسلمون يتناحرون.
ان التهجمات العنصرية من الدول الغربية وسياسييها على الإسلام والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ـــ، يسفر بلا شك عن قباحة وجه الغرب الأسود، وعدوانه، ليس على الدين الإسلامي فحسب، بل على العزة الالهية, وعلى تعاليم السيد المسيح ووصاياه العشر, وليس تشريع الشواذ -"المثلية "- الا عدوانا على العزة، ومن المهم في هذا السياق ان يقوم الباحثون وكذلك الساسة المسلمون والقيادات الاسلامية وكذلك غير العنصريين, بجردة حساب واسعة ودقيقة، ليبنوا على شيء مقتضاه التدمير المنهجي الذي ينفذه الغرب بكل رعونة, لأنه لا يجد من يتصدى له كما يجب.
لا يمر يوم من دون أن يوجه الغرب إهانة للعرب وللإسلام عموماً، والدول التي دستورها كتاب الله خصوصاً, وتلك الدول من خلال ارضاء واسترضاء الغرب المتوحش وعلى رأسه اميركا ,تغذي خزائن الغرب, وتصرف انتاج مصانعه وشركاته , وتزوده بعوامل القوة من خلال النفط والغاز ومشتقات كثيرة، لابد وأن يستذكر تاريخ الغرب الجماعي المظلم والمليء بالمجازر التي نفذها عن سابق تصور وتصميم في كل الشرق، ويمكن للذين يقع عليهم الظلم ان أرادوا، استخدام اوراق القوة الموجودة بين ايديهم دون أي خجل او وجل، دفاعا عن وجودهم، ولإثبات حقيقة انتمائهم فيما يقولون, مع اليقين أن الإسلام عصيٌّ على محاولة تلك الدول ومسؤوليها للنيل منه.
ان ما تشهده فرنسا حاليا من موجات عنف تتجدد كل مرة, وبأشكال مختلفة, وهي ناجمة عن عمقها العنصري بحيث فشل التكيف الاجتماعي والثقافي تجاه المهاجرين من إفريقيا وآسيا، ولعل رفض ضم تركيا المسلمة الى الاتحاد الاوروبي رغم انها تملك ثاني اكبر جيش في الحلف الاطلسي, درس اخر يفترض ان يراه الاتراك بعيون مفتوحة .وان كانت الدول الغربية تحمل عوامل تفجيرها من الداخل بذاتها, ويبدو ان الخطيئة الكبرى التي ارتكبها الغربيون في دفع اوكرانيا الى المهلكة, ستكون جماعية للغرب المتوحش كسبب اساسي مضاف على التكوين الأساسي، وبلا ادني شك ان ما استنتجه اجدادنا, وسمعناه منذ الصغر, بأن لا شيء يأتي من الغرب يمكن أن يسر القلب, هو استنتاج واقعي لا تزال معطياته مستمرة .