السودان .. نيران الاشقاء ستبقى مشتعلة حتى التقسيم؟ ــ يونس عودة

الثلاثاء 27 حزيران , 2023 12:05 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يقترب الاحتراب السوداني بين مكونين عسكريين, هما الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد قلو الملقب ب "حميدتي" من شهره الثالث, من دون أن يبدو في الافق اي اتجاه لحوار حقيقي فتتكرر الهدن القتالية من دون نتيجة، ولو كانت إنسانية لا تعمّر إلا 72 ساعة لتعاود آلة الحرب دورانها بشراسة أكثر من السابق.

ويبدو أن الطرفين اللذين أخذا على عاتقيهما معالجة الأمر بيت المتحاربين, وهما الولايات المتحدة والسعودية قل اكتراثهما في القضية او هكذا كان منذ البداية, بحيث لا يتفاعل معهما الميدان بسكينة تفتح آفاقاً حقيقية لحل المعضلة التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم, والارجح ان السبب ليس عدم قدرة الطرفين على فرض، والافساح في المجال أمام محطة تجمع المتحاربين, وإنما أيضاً عدم الجدية الكافية في التعامل مع مأساة الشعب السوداني المتعاظمة فصولاً منذ اتفاق قائد الجيش البرهان وحميدتي على خلع عمر البشير وحكمه, بختم وتوقيع اميركيين, لأنه تجرأ وقام بزيارة مفاجئة عام 2018 الى سورية، اي قبل الانفتاح العربي والدولي على دمشق وعلى الرغم من تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية وفرض عقوبات عليها، وإن البشير أكد بعد لقائه الرئيس السوري بشار الأسد: "وقوف السودان إلى جانب سوريا وأمنها". ما اعتبر تعد لإرادة واشنطن، رغم علم السعودية آنذاك بالزيارة, وكذلك رفض البشير الانخراط بالسرعة الاميركية المطلوبة للانضمام الى ما سمي "صفقة القرن "للتطبيع مع العدو الصهيوني ,وهذا الامر الاخير تلقفه البرهان ودقلو رغم المعارضة الشعبية الواسعة وسارا به متكافلين متضامنين.

لا يبدو ان احد الطرفين في وارد التنازل, او التقدم خطوة في ظل اتهامات التخوين المتبادلة، لا بل مع اصرار كل منهما على "تحرير" السودان من الاخر, والحديث عن بطولات ميدانية يدفع ثمنها المواطن السوداني, موتا وجوعا, وما يزيد في القناعة بان الصراع بإبعاده الخليجية - الاميركية المتعهدة, والمكاسرة غير المعلنة بين مكونات مجلس التعاون الخليجي في السودان الاعلان الواضع عن تأجيل اجتماع الرياض بين ممثلي المتحاربين الى ما بعد عيد الاضحى المبارك, بدل ان يكون العيد فرصة سانحة للتهدئة, ومحفزا لوقف حمام الدم, وتدمير البنى التحتية على قلتها في بلد يفترض انه من بين الاغنى على المستوى العربي لما يتمتع به من ثروات باطنية، وأراض زراعية هي الاخصب عالميا.

من الواضح ان العمليات العسكرية سوف تتوسع, وربما سيطول امدها, على ضوء المواقف الاقليمية والدولية, وعدم جدوى اجتماعات السعودية, ورفض الاطراف ولا سيما البرهان اي مبادرة للحل, ولا سيما المبادرة الافريقية, بذرائع واهية، وهو متخوف ان يسقط في الحفرة نفسها التي حفرها للرئيس السابق عمر البشير الذي يحاكم اليوم.

ان اعتماد المتحاربين على الدعاية التضليلية اثبت فشله مع انتشار الجثث في الشوارع، والمجاعة الزاحفة من كل حدب وصوب إلى السودان المعرض للتقسيم مجددا في ظل موازين القوى الحالي ,وفي اطار عملية التفتيت المستمرة منذ القبول بانفصال جنوب السودان لقد ارتكب البرهان ومجلسه القيادي اخطاء قاتلة منذ السيطرة على الحكم, ليس فقط بالتهرب من وعوده الايهامية بتسليم السلطة للمدنيين, وان لا طموحات للعسكر في الحكم, بل ايضا على المستوى الاستراتيجي بالانصياع للرؤية الأميركية ـــ الاسرائيلية, وهذا العاملان ساعدا قوات الدعم السريع في تكوين شريحة مؤيدة لها, اضافة الى الشراكة في الثروات الباطنية , ولا سيما في مناجم الذهب حيث ل حميدتي الباع الاطول.

ان مؤشرات الصراع بين الطرفين كانت قائمة، منذ تشكيل مجلس السيادة الذي تولّى السلطة على اساس مرحلة انتقالية لا تتعدى السنتين بعد إطاحة حكم الرئيس عمر البشير في نيسان/ 2019؛ فقد تولى قائد الجيش، البرهان، رئاسة المجلس، بينما تولى قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، منصب نائب رئيس المجلس. وأخذت الخلافات تظهر إلى العلن، بعد أن اتخذ الجيش، تسانده قوات الدعم السريع، قرارًا بحلّ مجلس السيادة الذي يتكون من مدنيين وعسكريين، وإقالة حكومة رئيس الوزراء الانتقالي، عبد الله حمدوك، واستلام السلطة مباشرة في 25 تشرين الأول 2021.في الورشة الختامية للاتفاق الإطاري، وجاءت بعنوان "الإصلاح الأمني والعسكري"، لم يحضر ممثل القوات المسلحة للدلالة على تمسك قيادة الجيش بالسلطة والبصق على وعودها, وكذلك على رفض سياق التفاوض، ويبدو أن هذا الأمر أفضى، في نهاية المطاف، إلى صراع مفتوح.

ويبدو أن الجيش لم يكن راضيًا عمومًا عن نتائج الاتفاق الإطاري؛ لأنه يسعى لضبط تدخّله في السياسة، في حين أنه يعطي تحالف القوى المدنية قوةً أكبر، ان الاخطر في الاقتتال الجاري هو ما سيؤدي اليه, من اخراج القوى المدنية من المشهد الذي يزداد ضراوة ما سيؤدي الى مزيد من الفقر والمرض والاوبئة والجوع والتخلف، بسبب النزاعات الاقليمية والتي اجتذبت كل منها طرفا يدعي الدفاع عن الشعب والوطن بينما الشعب والوطن يدفع الثمن.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل