أقلام الثبات
في نفس اليوم الذي أورَث فيه زعيم لبناني رئاسة "الحزب والطايفة" الى ابنه، أطلق هذا الزعيم تصريحاً، أبدى فيه خوفه على ديمقراطيات أوروبا من الحركة الانقلابية التي قامت بها مجموعة "فاغنر" في روسيا، وتناولت بعض وسائل الإعلام اللبنانية ببساطة هذين الخبرين المُتزامنين، الخبر الأول، أن فلان فاز برئاسة الحزب بالتزكية، والخبر الثاني أن والده قد رصدت "أنتيناته" تداعيات الحدث الروسي على الحياة الديمقراطية في الجوار الأوروبي!.
هذا نموذج عن الطبقة السياسية التي يُنتظر منها استيلاد رئيسٍ للجمهورية اللبنانية "كامل الأوصاف". وفي الزمن الذي ينزف فيه الشعب اللبناني بقايا مقومات عيشه على حساب القِيَم الآدمية من رزقه وعرق جبينه ودمه على مدى سنوات، أعلن خريج سجون روسي، وقف حركة تمرُّده التي دامت ساعات حقناً لدماء الشعب الروسي.
وبالعودة الى المخاض اللبناني في عملية قيصرية تحمل عنوان "تفقيس رئيس"، فإن الحاضرين في منتديات الصالونات السياسية من بيروت الى باريس مروراً بكل عواصم القرار، يتقاتلون على الاسم والمواصفات، ويراهنون على تقديمات الرئيس العتيد، الذي إذا كانوا حريصين على أن يحمل صفة خدماتي، فإن الطائف لم يُبقِ له شيئاً لا في السلطة التنفيذية ولا في سلطته على السلطة التشريعية، وهو مُطَالب بخدمة شعبه، كل شعبه، ولكن، الخدمات المطلوبة منه وفق بقايا صلاحياته في الطائف، تعطيه صفة "خدمتجي"، وتتراوح خدماته بين الوطنية الكبرى في عدم طعن المقاومة في الظهر، نزولاً الى السياسية الصغرى في المحاصصات الوزارية والتعيينات الإدارية، وانتهاءً بأصغر الصغائر، أن يكون خادماً سياسياً لهذا وذاك في الداخل، وأن يُقطِّع نفسه لخدمة كل الأطراف الخارجية طلباً للرضى، ولذلك، لم تعُد الولادة القيصرية سهلة، حتى لو اجتمع كل قياصرة الكون لتنصيب رئيسٍ على بلدٍ مساحته لا توازي مساحة الحدائق العامة في موسكو وجوارها.
وعلى سيرة روسيا و"قيصرها" الذي أطل بخطابٍ واحدٍ، هدد خلاله بسحق المغامرين، فانتهى الأمر خلال ساعات ولكن، كل العالم أعلن استنفاره السياسي، سواء من يريد الخير لروسيا، أو يريد لها الشر من أميركا الى أوروبا، وثبت لنا نحن اللبنانيين، أن حركة عسكرية لا قيمة لها قياساً لعظمة روسيا، دامت ساعات لكنها شغلت العالم كله، فيما هناك عشرات الأزمات في دول العالم الثالث ومنها الأزمة السياسية والاقتصادية اللبنانية، لا يرفّ لها جفن هذا العالم ولو دامت سنوات، وإذا أراد اللبنانيون توصيفاً قريباً إليهم عن نظرة العالم الى أحداث لبنان، فإن إسقاط المقاومة لِمُسيَّرة صهيونية يوم الإثنين شَغِل بال الغرب أكثر من سقوط كل الدولة اللبنانية.
ولأن بعض السياسيين اللبنانيين يستأنسون بكل ما هو خارجي، لا بل غربي، فإن الخارج الدولي المشغول بنا حالياً هو الفرنسي دون سواه، والموفد الديبلوماسي لو دريان قال قبل مغادرة بيروت أنه عائد الى لبنان بعد جوجلة مباحثاته اللبنانية مع القيادة الفرنسية، ولعل أقصى ما توصل إليه في لبنان، أن البحث عن بديل لسليمان فرنجية بشخصية يقتنع بها الثنائي الشيعي بات أمراً حتمياً، لأن الوقت برأيه يضيق جداً على لبنان، ويبدو أن الأطراف أصحاب القرار فيه، ضاقت بهم سُبل المواجهة غير المجدية، والدعوات الى لقاءات حوارية لاستيلاد الشخص التوافقي بدأت خلال وجود لودريان في بيروت، وتوالت مع إقلاع طائرته، وإذا لم يتم التوافق على أحد الأسماء المتداولة حالياً، العماد جوزف عون أو أحد المحاميين زياد بارود وناجي البستاني، فقد يضطر لو دريان الى فتح جسر جوي لنفسه بين بيروت وباريس لأن البحث عن إسم توافقي جديد سوف يُعيد حوار الطرشان اللبنانيين الى نقطة الصفر.