إذلال الدولار لتطويع اللبنانيين ــ عدنان الساحلي

السبت 24 حزيران , 2023 10:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تتطور "حرب" تجويع وتطويع اللبنانيين، لإستتباعهم للإرادة الأميركية و"الإسرائيلية" ولمشاريعهما في المنطقة، من دون أن تتأثر حتى الساعة بالإخفاقات التي تواجه هذه المشاريع، أو بالتطورات التي تشهدها المنطقة والعالم، طالما أن المسؤولين اللبنانيين ما زالوا على ولائهم للأميركي؛ ويحركهم خوفهم من أن تطال عقوباته "أموالهم" التي سرقوها من جيوب اللبنانيين ومن خزينة ماليتهم العامة.

بدأت حرب تطويع وإخضاع اللبنانيين، بإغراق دولة المحاصصة والزبائية التي تحكمهم بالديون. كانت تلك الديون بالعملة الوطنية، ثم شرّع مجلس النواب وهو بكامل وعيه، السماح بالإستدانة بالعملات الصعبة، لتكبير حجم الهدر والسرقات، عبر المشاريع والأساليب المختلفة، التي يعرفها ويتحدث عنها اللبنانيون بأصوات عالية. ولم يترك المعنيون من كبار المسؤولين وسيلة أو طريقة لنهب البلد وافقار الناس إلا واعتمدوها، فتضخمت ثرواتهم بالتوازي مع زيادة نسبة الفقر في لبنان، التي إنعكست هجرات لا تنقطع للأجيال الشابة، هرباً من واقع ميؤوس وبحثاً عن مصدر رزق ووسيلة عمل لم تعد متوافرة في الوطن المستضعف.

كانت الكهرباء، على سبيل المثال، أحد أبرز الثقوب السوداء في مالية الدولة العامة، جرى فيها، من خلال السياسة المعتمدة والمقصودة، إستنزاف الخزينة طوال ثلاثة عقود من الزمن، إلى أن أصبح إتكال المواطن على "كهرباء الدولة" يساوي صفراً، لكن أرباح مافيات البترول من كبار السياسيين والتجار المحتكرين تواصلت وتضخمت، فهؤلاء هم من أنتج "مافيا المولدات" ورعاها، لتدر عليه وعلى أزلامه وسماسرته المال الوفير، الذي لم يعد يجبى بالعملة الوطنية، بل بالدولار الأميركي. وهكذا الحال في مختلف طرق ومزاريب الهدر والسرقة.

كانت التغذية بالتيار الكهربائي في لبنان، قبل حرب 1975، على مدار الساعة وبلا انقطاع. وكان لبنان يورد الكهرباء في حينه الى سورية، ليصل به الحال بعد 30 سنة الى شرائها منها. ثم ليصل إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان من الطاقة هذه الأيام، إلى حدود صفر كهرباء. ولتقدير حجم الفساد ووقاحة الفاسدين، فإن أحد أصحاب المولدات شرع في إقامة حقل للطاقة الشمسية، للتخفيف من إستخدامه للمولدات التي تعمل على المازوت؛ مما يستتبع التخفيف من فاتورة المحروقات ومن الفاتورة الباهظة التي يدفعها المواطن. لكن للمفارقة، فإن المعنيين في الوزارة المعنية، إشترطوا عليه الحصول على رخصة لهذا المشروع الصديق للبيئة و"اللطيف" مع جيوب المواطنين، فيما غابوا عن الحضور ووضع الشروط، عندما وضع مولدات تضرّ الناس والبيئة، بروائحها ودخانها واصوات هديرها المزعج، لأنها في ذلك الوقت تخدم مافيا البترول وتدر عليها الأرباح وتستهلك بضاعتها.

لم يترك المتآمرون على لبنان واللبنانيين وسيلة ضغط وإرغام إلا واستخدموها، من إيقاف اللبنانيين في طوابير الإنتظار للحصول على حاجاتهم الضرورية، إلى تقنين وقطع الكهرباء وتسليم رقاب الشعب لمافيا المولدات، التي يحميها ويشارك في أرباحها تحالف الفساد ذاته. إلى طوابير القهر أمام محطات البنزين، لساعات طويلة، في الليل والنهار، إلى إخفاء الأدوية من الصيدليات بتواطوء من المسؤولين الرسميين عن هذا القطاع، إلى إفتعال أزمة طحين وخبز، جعلت الناس تتقاتل أمام أبواب الأفران للحصول على رغيف الفقير، إلى إفتعال أسباب لقطع المياه وعدم ضخها. وقبل ذلك وبعده ومعه، جرى اللعب في سعر صرف العملة الوطنية، التي تراجعت قيمتها مائة ضعف، مما أسقط القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين.

ولإستكمال هذا المخطط الإجرامي بحق لبنان واللبنانيين، شنت حروب على لبنان وافتعلت أزمات ونفذت إغتيالات، ولم تترك وسيلة أمام الأميركي ومعه أتباعه من دول الغرب والعرب إلا وجرى تنفيذها، فالمطلوب خطف قرار لبنان واللبنانيين بالكامل إلى حضن الأميركيين و"الإسرائيليين"، من دون أنصاف حلول. وجرى إفتعال "ثورة"، كانت أهدافها غير أهداف الناس وشعاراتها غريبة عن أوجاعهم؛ ومطالبها بعيدة عما يريدونه من مطالب. كانت تلك "الثورة" التي نفذتها الجمعيات "الأهلية" الممولة من السفارات الغربية، برعاية وحماية أحزاب وقوى سياسية، إشارة إنطلاق لسباق في حرب على العملة الوطنية، هربت تحت ظلال دخانها وضجيجها أموال اللبنانيين المودعة في المصارف إلى الخارج؛ وهربت معها أموال السياسيين والنافذين، لتبدأ معها مرحلة "إذلال" العملة الوطنية، التي وصلت في إحدى مراحلها لأن تصبح قيمة الدولار الأميركي 145 ألف ليرة، بعد أن كانت 1500 ليرة.

أدت الحرب على الليرة وظيفتها، في رفع أسعار السلع وكل أنواع الخدمات، مما انعكس إفقارا وتجويعاً وتهجيراً للبنانيين. كانت حجج التجار والمحتكرين شركاء السياسيين والمتزعمين، أن هبوط قيمة الليرة هو سبب الغلاء، الذي يكوي جيوب الناس ويحرمها من شراء الكثير من ضروريات العيش. لكن اليوم بدأت الصرخة ترتفع بأن الغلاء الفاحش يطال السلع المسعرة بالدولار، بعدما جرت دولرة معظم أعمال البيع والشراء، في مسعى مكشوف للإجهاز على ما تبقى من قدرة اللبنانيين على الصمود والمقاومة، في هذه الحرب الإقتصادية التي تشن عليهم. وما كان يشرى بالدولار تضاعفت أسعاره. وكلفة العيش ولو بدولرة المداخيل تضاعفت، فالغاية تبرر الوسيلة وما يجري هو "قهر وإذلال" للدولار، طالما أن ذلك يؤدي الغرض في تجويع اللبنانيين وافقارهم، لإخضاعهم ولتركيعهم وجرهم إلى بيت الطاعة الأميركي و"الإسرائيلي". والمخطط مستمر.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل