السعودية من "الحزم" الى "صفر مشاكل" الى "الحياد الايجابي" ــ ليلى نقولا

الإثنين 12 حزيران , 2023 09:55 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كان عام 2015 مفصلياً في تاريخ المملكة العربية السعودية، حيث استلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة، وعيّن ابنه محمد بن سلمان وزيراً للدفاع، بالإضافة إلى تعيينه رئيسًا للديوان الملكي ومستشارًا خاصًا للملك، ثم أتبعه بأمر ملكي آخر يقضي بإنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة نجله أيضاً.

استلم الأمير محمد بن سلمان وزارة الدفاع، ودفة الحكم في السعودية (باسم والده) في فترة تشهد فيها منطقة الشرق الأوسط مشاكل كبرى، بعد اشتعال ثورات الربيع العربي وتحوّلها الى فوضى عارمة وحروب في كل من اليمن وسوريا .... وفي ظل اشتداد الخلاف الخليجي الخليجي بسبب تلك الثورات، وكذلك العداء بين كل من السعودية من جهة وإيران وتركيا من جهة أخرى وغير ذلك من المشاكل الأمنية والسياسية وتفشي الارهاب.

بدأ بن سلمان حكمه عام 2015 بإطلاق تحالف عسكري من عشر دول تقوده السعودية سمي بـ "التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن" ، وانخرط في حرب اليمن مطلقاً ما سماه "عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية وهزيمة الحوثيين". وفي نفس السنة، توترت العلاقات بشكل كبير بين إيران والسعودية بسبب حادثة تدافع مِنى التي راح ضحيتها العديد من الحجاج الايرانيين، وانقطعت العلاقات كلياً بين الدولتين في كانون الثاني /يناير من عام 2016 بعد اعدام "الشيخ نمر النمر" في السعودية، وقيام المتظاهرين الايرانيين بالاعتداء على القنصلية والسفارة السعودية في إيران، ما دفع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى اعلان قطع العلاقات بين البلدين.

لا شكّ أن احداث كثيرة وقعت خلال الفترة الممتدة من 2015 ولغاية عام 2022، حيث طبع التصعيد والتشدد سياسة المملكة داخلياً ضد المعارضين، وخارجياً من ايران الى تركيا الى لبنان ومصر والاردن الخ... وسمحت العلاقات الممتازة لولي العهد السعودي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بممارسة تشدد إضافي وصل الى حدّ القيام بحصار قطر، وتهديد إيران الخ...

برحيل ترامب، بدأ الأميركيون سياسة جديدة في المنطقة وأعلن بايدن أنه "سيجعل السعودية دولة معزولة"، ثم ما لبث أن تراجع عن ذلك بعد الحرب الاوكرانية وحاجة الأميركيين للسعودية لضبط أسعار النفط.

كان عام 2022 مفصلياً، حيث ظهر أن بن سلمان يقود المملكة في 3 خطوط استراتيجية رئيسية: - داخلياً: تحقيق نمو اقتصادي، وانفتاح سياسي واجتماعي وتقليص سيطرة رجال الدين.

- اقليمياً: الانطلاق في سياسة "صفر مشاكل" عبر التخلص من إرث السياسة المتشددة الحربية السابقة، والسعي الى التهدئة في المنطقة حيث أعرب بن سلمان عن رؤيته لتحقيق التنمية والازدهار والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط ككل.

- دولياً: اتخذت السعودية موقفاً جريئاً بعدم الانحياز لأي طرف في الحرب الاوكرانية، ورفض بن سلمان طلب بايدن بتخفيض أسعار النفط، وأبلغه أنه ملتزم بقرار أوبك بلس، وهو أمر استفادت منه روسيا بشكل كبير. أما عام 2023، فيمكن أن نقول ان السعودية انتقلت من "صفر مشاكل" في المنطقة الى سياسة "الحياد الايجابي" في المنطقة والعالم، بعكس تركيا التي تعتمد مع أردوغان سياسة "التحوط الاستراتيجي"، والتي تعني فعل الشيء وعكسه في السياسة الخارجية لمواجهة تهديد استراتيجي (راجع مقالنا في هذا الموضوع) .

اليوم، نجد أن السعودية تحاول أن تستفيد من الاستقرار السياسي الداخلي وقدرة الدولة الاقتصادية والنفطية والاستثمارية لخلق ظروف خارجية مواتية لعلاقات متساوية ومتبادلة المنفعة في المجال الاقتصادي، وفي الوقت نفسه محاولة لعب دور اقليمي يسمح لها بالاستفادة من التغييرات في النظام العالمي لتكريس نفسها دولة فاعلة في النظام، اي باختصار ممارسة "الحياد الايجابي".

وطد الأمير محمد بن سلمان علاقات السعودية الدولية الاقتصادية والسياسية مع كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وتصالح مع إيران برعاية صينية، وأعاد سوريا الى الجامعة العربية، ودعا الرئيس الاوكراني فلوديمير زيلينسكي ليلقي كلمة في القمة العربية، ويرعى حالياً محادثات إطار للحل في السودان، واستقبل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو قبيل ساعات قليلة من وصول وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، وتلقى اتصالاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباشرة بعد مغادرة بلينكن الخ..

الحياد الايجابي السعودي هو سياسة جديدة أبعد من أن تكتفي السعودية بتصفير المشاكل، وأوسع من عدم الانحياز في العلاقات الدولية، ولا يعني النأي بنفسها عن المشاكل الاقليمية والدولية، بل على العكس من ذلك تعمل لأن تكون لاعباً فاعلاً، ووسيطاً مقبولاً يمتلك علاقات جيدة مع جميع الأطراف، ما يسمح لها بتحقيق مكانة دولية واقليمية فاعلة.

في الخلاصة، لقد انتقلت السعودية في أقل من عقد من الزمن من "السياسة الهجومية" الى "صفر مشاكل" الى "الحياد الإيجابي"، أي الحياد النشيط، المتفاعل إيجابياً وساعياً لدور فاعل في القضايا الدولية والإقليمية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل