الحلف الثلاثي الجديد مشروع حرب أهلية ــ عدنان الساحلي

الجمعة 09 حزيران , 2023 10:42 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

فاجأت زيارة الرئيس السابق العماد ميشال عون دمشق الكثيرين، خصوصاً أولئك الذين راهنوا على دور متضخم للحلف الثلاثي المسيحي الجديد، في كسر المقاومة في لبنان وفرض رئيس للجمهورية معاد لها، تحت عنوان محاربة الممانعة ومنعها من إيصال مرشح محسوب عليها. فهل يصلح عون، بزيارته دمشق، ما أفسده وريثه السياسي جبران باسيل، باقامته هذا الحلف الثلاثي الجديد، تحت إمرة خصمه اللدود سمير جعجع، خصوصاً أن رموز هذا الحلف هم إمتداد لقادة الحلف الثلاثي القديم، الذي اغرق لبنان في مغامرات فشل في تحقيق اهدافه السياسية فيها، لكنه نجح بشكل مبهر في تدمير الحجر والبشر؛ وهجّر اللبنانيين، خصوصاً المسيحيين، داخل وطنهم وإلى خارجه.

نجح الحلف الثلاثي القديم في تلك المرحلة، بقيادة الرئيس كميل شمعون ورئيس حزب الكتائب بيار الجميّل ورئيس "الكتلة الوطنية" ريمون إده، في كسر الشهابية، باعتبارها ناتجة عن تفاهم أميركي مع الزعيم العربي جمال عبد الناصر، لوقف حرب أهلية في لبنان سميت ثورة 1958، ضد حكم كميل شمعون، أوصلت قائد الجيش حينها اللواء فؤاد شهاب إلى سدة رئاسة الجمهورية. وكان التأثير العربي المصري لذلك التفاهم، يتعارض مع مصالح وسياسات قيادات الحلف الثلاثي، في الإنعزال بلبنان عن بيئته العربية؛ وفي التبعية الكاملة للسياسات الأميركية، خصوصاً أن الأميركي وامتداداته العربية، قبلوا على مضض النفوذ المصري الناصري في لبنان. ولذلك، عندما حان وقت إنتخاب رئيس للجمهورية عام 1970، ليخلف الشهابي شارل الحلو، ترشح قادة ورموز ذلك الحلف، ثم قرروا التجمع خلف مرشح الوسط سليمان فرنجية (الجد)، فتمكنوا من إسقاط مرشح الشهابية الياس سركيس، بفارق صوت واحد.

لم يعر شمعون والجميل وإدة إهتماماً لكون فرنجية (الجد)، متهما بارتكاب مجزرة عام 1958 في كنيسة مزيارة، بحق مؤيدي شمعون، لأن شقيق فرنجية الأكبر حميد، كان من قادة الثورة ضد شمعون. لكن هدف إسقاط الشهابية تقدم على العداوة القديمة. وكان مجيء الرئيس فرنجية فرصة للحلف، خصوصاً للجميل وشمعون، لدفع البلاد نحو صدام دموي مع المقاومة الفلسطينية والأحزاب الوطنية، تحت شعار رفعه قائد ميليشيا ذلك الحلف بشير الجميل وهو: "تحرير لبنان من الغرباء"، بدأ بصدامات مع المقاومة الفلسطينية، بحجة تجاوزاتها، ثم تكلل بمجزرة عين الرمانة، التي استهدفت حافلة تقل لبنانيين وفلسطينيين، كانوا عائدين من مهرجان سياسي، فقتل العشرات منهم.

ذلك "الإنتصار" بقوة الصوت الواحد، جعل من فرنجية واجهة لعسكرة حزبي الكتائب والأحرار، بغطاء من الجيش، الذي تولى تدريب مسلحيهما. لكن فرنجية أصبح لاحقاً ضحية مسلحي الكتائب، عندما اعترض على تحالف الحزب مع العدو "الإسرائيلي".

إحدى عبر ذلك الحلف، الذي خرج منه ريمون إدة لأنه رفض العسكرة والحرب، أن حروبه أدت إلى تهميش رئيس كتلة الوسط صائب سلام (التي رشحت فرنجية للرئاسة حينها)، حيث فشلت الميليشيا التي شكلها (رواد الإصلاح) بأن تكون وازنة، فلم تحفظ له دوره وموقعه السياسي. كما انقلب الحلف على الرئيس فرنجية نفسه، فقتلت ميليشيا الكتائب إبنه الوزير والنائب طوني فرنجية، مع زوجته وطفلتهما وثلاثين رجلاً من انصاره. وكاد يكون رئيس تيار المردة الحالي سليمان فرنجية ضحية، لولا وجوده مع جده الرئيس في النقاش.

اليوم تكرر القوى ذاتها مشروعها، بإقامة حلف ثلاثي ماروني جديد، يتألف من سامي الجميل وريث آل الجميل في رئاسة حزب الكتائب؛ وسمير جعجع، وريث بشير الجميل في قيادة ميليشيا الكتائب؛ وجبران باسيل رئيس تيار الجمهور الشمعوني، الذي اقتبس اسمه من إسم حزب شمعون، حزب الوطنيين الأحرار، فكان "التيار الوطني الحرّ".

وتسير تلك القوى على ذات الخط السياسي الذي انتهجه الحلف القديم، فتحت شعار منع الممانعة (أي المقاومة) من إيصال مرشحها إلى قصر بعبدا، ينفذ هذا الحلف أمر عمليات أميركي بحصار المقاومة في لبنان وتعطيل دورها، خدمة للعدو "الإسرائيلي" وتحصيناً له في مواجهة التحديات التي تواجهه، من قبل محور الممانعة، المشكل من القوى المتصدية للغزوة الصهيونية للمنطقة العربية. وكما كان هدف الحلف الثلاثي القديم، كسر التوازانات في لبنان وحسم الصراع فيه لصالح قوى الإنعزال، يسعى الحلف الثلاثي الجديد لكسر المقاومة في لبنان، رفضاً من أركانه للعداء "لإسرائيل" أو اعتبارها عدوا. وهذا ما يعلنه سمير جعجع وسامي الجميل يومياً.

كانت حرب 1975 التي اشعلها بشير الجميل، تكريساً لدور لبنان الذي رسمه له المستعمر الفرنسي، شوكة في خاصرة سورية، إذ كان أحد شعارات مميليشيات الكتائب حينها: "على كل لبناني أن يقتل سورياً أو فلسطينياً". واليوم، لا يختلف قادة هذا الحلف مع سليمان فرنجية في تموضعه داخل النظام اللبنانين بتقاطعاته وفساد منظومته، فقط مشكلته معهم أنه حليف لسورية. والمشروع الأميركي و"قانون قيصر" ما زال يستهدف سورية ويحاصرها ويجرم التعاون معها. ويتناسى هؤلاء القادة، أن حرب "آبائهم" عام 1975 هجرت حوالى نصف المسيحيين إلى الخارج. وأن إصرارهم على التمسك بهذا النظام الطائفي وعلى بقاء دوره في المنطقة، هو مشروع حروب دائمة. ومثلما كانت تلك الحرب غطاء لوصول آل الجميل إلى رئاسة الجمهورية، فإن غاية الحلف الحالي قطع الطريق على فرنجية، لإيصال حد أركانه إلى قصر بعبدا؛ ولو أدى ذلك إلى خراب ما تبقى من أطلال لبنان. فهل ينجح ميشال عون في وقف هذه المسيرة، أم يكرر الحلف الثلاثي الجديد جرائم الحلف القديم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل