اميركا داخل شرك من صنعها .. ازمة السداد والمعضلة الدستورية‎ ــ يونس عودة

الثلاثاء 16 أيار , 2023 09:44 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

وقعت الولايات المتحدة في شرك معقد طالما نصبته لدول العالم والمتمثل بإغراقها في ديون لا تقوى الدول على سدادها وها هي اميركا "بعظمتها الكاذبة", تواجه عدم القدرة على السداد, وقد باتت اليوم امام معضلتين, ازمة دستورية لا يعرف احد الى اين ستقود, ازمة سداد الديون التي حاولت تكرار الهروب الى الامام منها بإغراق السوق المالي من خلال طباعة تريليونات المليارات من الدولارات الورقية باعتبار ذلك يمكنها من التملص من الكساد المرابط على الابواب.

لقد اعلن الرئيس الاميركي جو بايدن الذي يبذل جهودا واسعة مع ادارته, للتفاوض مع الجمهوريين لتفادي "كارثة " التخلف عن سداد ديون الدولة، لكن الحادثة لا تزال عالقة ولم تتقدم. في وقت كررت وزيرة الخزانة تحذيرها من عواقب "كارثية" ستصيب الاقتصاد الأميركي تشمل خسائر فادحة في الوظائف، في حال تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها.مما سيؤدي إلى "كارثة اقتصادية" في الولايات المتحدة، وقد يتسبب أيضا في حدوث صدمات في الاقتصاد العالمي. ومن أجل منع ذلك، وافق بايدن وقادة الجمهوريين في الكونغرس على إجراء مشاورات.

لقد كانت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، واضحة بهذا الخصوص .بحيث اعلنت إنّ الولايات المتحدة بحاجة إلى رفع سقف الديون لتجنب الكساد الاقتصادي. وقد خاطبت مستنجدة في رسالةٍ إلى رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي معلنة ان: "تقديراتنا تقول إننا سنعجز عن الاستمرار في الوفاء بجميع التزامات الحكومة بحلول مطلع حزيران المقبل، إذا لم يرفع الكونغرس أو يُعلّق سقف الدين قبل ذلك التاريخ". وأن استخدام الرئيس جو بايدن، للتعديل الـ14 بالدستور الأمير كي لتفادي إعلان الإفلاس دون الرجوع إلى الكونغرس، سيثير أزمة دستورية وشددت يلين على أنّ اميركا ستشهد عواقب في الأسواق المالية إذا لم يتخذ الكونغرس أي إجراء، وهذه "ستكون هذه هي المرة الأولى التي سنفشل فيها في السداد، وسنواجه أزمة دستورية". على أن أولوية الحكومة تبقى ضمان قيام الكونغرس "بعمله" من خلال رفع سقف الدين الوطني.مع الاقرار :" ببساطة لا توجد خيارات جيدة. والخيار المطروح هو من بين هذه الخيارات غير الجيدة".

ان كبار الخبراء الاقتصاديين باتوا فعلا امام مراجعة عميقة للوصفات الاميركية الاقتصادية والمالية , وطبعا لبنان كان من اكبر الضحايا لمثل تلك الوصفات القاتلة , خصوصا ان منظومة النهب المنظم لا تسعى الة إلى "تصحيح الوضع الحالي"، واصلا هي مفلسة على مستوى ايجاد بدائل عادلة مع يقينها أنّ التخلّف عن السداد سيقوّض الثقة فيما يسمى " أهم نظام مالي في العالم"، كما ستؤدي التخفيضات الشديدة في النفقات إلى ركود عميق".

ان مظهر المشكلة يكمن في أنّ "العناصر المتشددة في الحزب الديمقراطي، بما في ذلك بايدن، تريد تمرير فاتورة إنفاق بقيمة 6.8 تريليونات دولار، ستضيف المزيد إلى ديون أميركا الضخمة، بينما الحزب الجمهوري تسيطر عليه مجموعة من المتعصبين الذين يرفضون القيام بمفاوضات مع الديمقراطيين، إلا إذا تمّ تخفيض ميزانية الإنفاق الاجتماعي".وفي هذا الاطار اقر اقتصاديو البيت الأبيض ومحللون مستقلون من أن سياسة «حافة الهاوية» الحالية والتخلف عن السداد في المستقبل يمكن أن يكون لهما تأثير مدمر على الاقتصاد الأميركي، ما سيؤدي إلى انهيار سوق الأسهم والقضاء على ملايين الوظائف.

ليس مستغربا ان يكون للازمة التي تعصف في الولايات المتحدة ابعادا سياسية, مقرونة بالهروب من الواقع كما اعتادت السياسة الاميركية في عمقها, ولذلك اتّهم الرئيس الأميركي، جو بايدن، أعضاء الحزب الجمهوري، باحتجاز الاقتصاد "رهينة" ‏‏، برفضهم تمرير زيادة حدّ الدين، فيما لم يوافق هو أوّلاً على إجراء تخفيضات صارمة لميزانية البلاد. ‏وذلك بالتوازي مع الاعلان عن "كارثة" مقبلة وفق تحذّير البيت الأبيض من" أنّه في حال لم يتراجع الجمهوريون عن رفض رفع سقف الدين العام فإنّ الولايات المتّحدة ستشهد كارثة اقتصادية، إذا ما وقعت في حالة التخلّف عن السداد لفترة طويلة.. وهذا يمكن ان يجري استثماره في الانتخابات الرئاسية التي يتعاظم الكباش بشأنها ودونها بعض الدماء التي يحجبها الاعلام الاميركي, كما يحجب الجرائم الاميركية , ولا سيما الاقتصادية بحق الشعوب والدول.

في الواقع يحاول رئيس مجلس النواب "مكارثي، والمعروف بانه أضعف رئيس لمجلس النواب منذ قرن، البحث عن مخرج كتسوية تؤجل الكارثة المنتظرة لكن الخبراء الاميركيين انفسهم يرون بانه " يخدع نفسه إذا كان يعتقد أنه يمكنه العثور على مخرج لأميركا قبل فشل مجلس النواب في رفع سقف الديون هذا الصيف". سيما أنّ أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب، ليسوا متفقين سواء مع بعضهم البعض أو مع قادتهم، لكن للمشكلة اوجها اخرى يتمثل احدها في الذعر بين الناس , حيث يسارع المودعون في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها في الدول الغربية إلى سحب مدخراتهم، سيما مع انهيار عدد من البنوك , دون ان يكون هناك معالجات جدية في الاحتواء وبذلك يسرّعون عملية الانهيار، وسط حالة ذعر جراء تنامي فقدان هؤلاء ثقتهم بالنظام المصرفي، ومخاوف بشأن متانة القطاع المصرفي ككل، خصوصاً مع الارتفاع السريع في أسعار الفائدة والذي يؤدي إلى انخفاض قيمة السندات في محافظهم. بموازاة خرق الدين العام في الولايات المتحدة سقف 75% من الناتج المحلي الإجمالي ليحقق رقما في تاريخ الوقائع الاقتصادية لأكبر اقتصاد في العالم أي 14.3 تريليون دولار. ومعنى ذلك أن الخزانة الأميركية أصبحت أول خزانة حكومية مدينة في العالم مما جعلها مرمى سهام جارحة من كل حدب وصوب , وخصوصا من متناولي الوصفات الاميركية على انها علاج , فكات الداء.

وليس امام الكونغرس الأميركي سوى طريقين لا ثالث لهما, وكلاهما مزروعين بالغام معدة للتفجر تلقائيا الأول: رفع سقف الاقتراض من جديد إلى ما بين 80% و85% من الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي الاقتراب من عتبة إفلاس الخزينة وبالتالي محاكاة المشهد اللبناني. والثاني: إقرار مجموعة ضرائب جديدة على المكلفين, تماما مثل لبنان لتمويل الخزينة عن طريق الأدوات المحلية وبالتالي إثارة الناخب الأميركي الذي يرى في التخفيف الجبائي والرعاية الصحية مكاسب لا تنازل عنها كيفما كانت الظروف. وفي الحالتين ستجد الإدارة الأميركية نفسها في مواجهة غريمين كبيرين، الأول: يتمثل في الدائنين الكبار أي الصين واليابان والسعودية وهي الدول الدائنة لأميركا بمبلغ يزيد قليلا عن ثلاثة آلاف مليار دولار، إلى جانب أسواق المال والسوق النقدية الخارجية التي ما زالت تعمل بآلية الإقراض بفوائد. والخصم الثاني: يتمثل في المواطن الأميركي وخصوصاً أصحاب المداخيل الكبيرة والشركات الصناعية التي حافظت على تماسك الاقتصاد الأميركي عندما أفلست البنوك غداة الإعلان عن أزمة الرهن العقاري صيف العام2008.

كل ذلك, ولا يزال الحقد الاميركي في ذروته على من واجه ويواجه الوصفات الاميركية سواء الاقتصادية, او السياسية وهؤلاء لعبوا دورا محوريا في تراجع النفوذ العالمي لاميركا, ولعل اوكرانيا نموذجا صارخا, اذ ان الادارة الاميركية تضخ المليارات بالعشرات لمحاربة روسيا حتى اخر اوكراني فيما وضعها الاقتصادي والمالي هو الأصعف منذ تشكلها على عشرات ملايين الجماجم, وفي هذا الاطار فضح عالم الاقتصاد الأميركي جيفري ساكس، الإدارة الأمريكية، وكشف مخططها في أوكرانيا منذ سنة 1992، وانتقد سلوك واشنطن، مشيرا إلى أن جنون العظمة جعلها تعتقد أنها تحكم العالم.

وقال جيفري ساكس في مقطع فيديو: "سأكشف لكم سرا، لقد كذبت الولايات المتحدة لأنه منذ عام 1992 كانت هناك تخطط لتوسيع الناتو، بما في ذلك، أوكرانيا". واتهم ساكس الولايات المتحدة بالغطرسة، قائلا: "تعتقد الولايات المتحدة أنها تحكم العالم، وأنها القوة العظمى الوحيدة ويمكنها فعل ما تريد". وأضاف أنه بسبب هذه القيم والسلوك الأميركي "تسمح لنفسها بفعل كل ما تريد، سواء كانت عمليات تخريبية، أو إسقاط الحكومات، أو شن الحروب تحت ذرائع كاذبة، أو قصف بلغراد، وليبيا ... لا تنتظروا الحصول على الحقيقة. لأنكم لن تحصلوا عليها"


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل