محور المقاومة يدفن زمن الهزائم ـ عدنان الساحلي

الجمعة 05 أيار , 2023 11:29 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

صدم مشهد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسيي، للعاصمة السورية ولقاءه الرئيس بشار الأسد وعقده إتفاقات تعاون متنوعة بين البلدين؛ وتصريحات الرئيسين التي رافقت الزيارة، كثيرين ممن ظنوا أن العصر "الإسرائيلي" دائم؛ وأن المشيئة الأميركية قدر لا يمكن رده. فيما ما يزال البعض يفرك عينيه غير مصدق أن سورية تغلبت على المؤامرة التي استهدفتها طوال عقد مضى. أو أن ما بشرت به إيران الإسلامية من رغبة في أن تكون دولة مواجهة للكيان المغتصب لفلسطين، يمكن أن يصبح حقيقة. لكن وكما تؤكد كل المؤشرات فإن زمن الهزائم العربية، سيصبح خلفنا، بل سيصبح زمناً "إسرائيلياً".

وجاءت تطورات ما قبل هذه الزيارة، من "بروفة" عسكرية لوحدة الساحات المحيطة بفلسطين المحتلة، لتقلب الصورة، بحيث لم تتقبل هذه التطورات أعين الذين آمنوا بأن أميركا هي "ربهم"، الذي طالما عبدوه وانساقوا خلفه. وأن كل من يعاديها هو "كافر"، تجوز الشماتة به ونصحه بالتوبة والعودة إلى حظيرة الخنوع والتبعية. هؤلاء لم يتنبهوا إلى أن محور المقاومة راكم إنجازات الصبر والتضحيات التي قدمها، على مدى عقود الصراع مع الغزوة الصهيونية، المدعومة من الغرب عموماً ومن دوله التي شكلت رأس حربة الإستعمار والهيمنة: إنكلترا، فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، التي تولت تباعاً تبني المشروع الصهيوني؛ وضربت مصالح العرب ومشاعرهم عرض الحائط. وجاء محور المقاومة ليحول زمن الهزائم العربية والإنتصارات "الإسرائيلية"، إلى واقع معكوس بدأت الأيام والأحداث تظهره، لتشهد معه المنطقة العربية تحولات، لا يمكن تجاهل قيمتها وتأثيرها على كل مسار الحياة العربية ومستقبلها. لقد شاهد العالم كيف مارس المحتلون الصهاينة عدوانيتهم، تجاه مدينة القدس ومقدساتها وتجاه المقاومين والأسرى الفلسطينيين، فكان رد صاروخي فلسطيني من غزة ومن الجنوب اللبناني. وعلى عكس ما كان يجري في السنوات والعقود الماضية، جاء رد العدو خجولاً وعلى طريقة رفع العتب.

فهذا العدو الذي طالما رد بارتكاب المجازر بحق المدنيين وبتدمير أبنية على رؤوس سكانها، في مدينة غزة وفي كل القطاع المحرر، لم يجرؤ على التعرض للمدنيين هذه المرة، فقدرة الرد الفلسطيني، التي وفرها محور المقاومة لغزة؛ ودروس جولات الحروب السابقة مع هذا العدو، جعلته يتجنب المدنيين ويوجه رده إلى مواقع المقاومين، على غير عادته في الإنتقام من المدنيين ونشر القتل والرعب بينهم.

وعلى القياس نفسه، تعودنا على هذا العدو وهو يهدد بارجاع لبنان خمسين سنة إلى الوراء، إذا ما أطلقت قذيفة منه على الكيان الغاصب، لكنه هذا المرة إختار أرضا خالية في منطقة صور، ليرمي عليها صواريخ طائراته، ليس لتراجع نواياه الجرمية ولا لتحسن في أخلاق جيشه، الذي ما زال يمارس الإجرام والقتل اليومي بحق الفلسطينيين، داخل مدنهم وقراهم ومخيماتهم، المحتلة، بل لأن هذا العدو يعلم أن بامكان المقاومة في لبنان الرد بقسوة موجعة على أي عدوان يقوم به. وأن أهوالأ تنتظره إذا ما أخطأ الحساب. هذا الواقع الذي أنتجته المقاومة في المنطقة، بتحقيقها ما تسميها "وحدة الساحات"، أي أن كل أطراف المقاومة ستقاتل سوية، ضد أي عدوان صهيوني جديد؛ وأن أطراف المقاومة باتت تملك حاجتها من السلاح النوعي ومن أعداد المقاتلين المدربين والمسلحين، ما يجعلها قادرة على ضرب كل مكان من الأرض المحتلة.

كما باتت قادرة على نقل المعركة إلى داخل الكيان المؤقت. هذا الواقع يعيدنا إلى حلم عربي سعت مصر جمال عبد الناصر إلى تحقيقه من خلال عقد إتفاقية "الدفاع العربي المشترك" حيناً؛ ومن خلال الدعوة إلى إقامة جبهتين للدول العربية: جبهة مواجهة تشمل دول الطوق المحيطة بفلسطين المحتلة؛ وجبهة مساندة تشمل باقي الدول العربية، لكن الطغيان الأميركي والغربي وخنوع معظم الأنظمة العربية، جعل من حلم محاصرة الكيان وصد عدوانه حلماً لم يتحقق، بل كانت الهزائم هي النتيجة المتحصلة من تلك المحاولات. ويروى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أراد بعد هزيمة 1967 وبعد قمة الخرطوم الشهيرة، أن يحصل من المملكة السعودية على تمويل لصفقة أو أكثر من صفقات السلاح، ضمن جهود إزالة آثار العدوان، فإذا بالقيادة السعودية ترد بأنها سوف تقف عند حدود التزامها المعلن، بالرقم الذي اتفقت عليه القمة؛ وهو الرقم الذي يعوض مصر عن دخل قناة السويس، التي أغلقت بسبب حرب حزيران 1967، كي يصبح الوضع وكأن القناة لم تغلق. وكان معنى هذا أن السعودية لن تساعد مصر لإعادة تسليح جيشها، إلا بما يعادل دخل القناة؛ وذلك مقابل أن تسكت مصر عن مطالبتها بإيقاف ضخ البترول.

أما ما عدا ذلك من تعامل مع نتائج الحرب وتحقيق لمتطلبات التحرير، فقد كان على مصر والرئيس جمال عبد الناصر تحملها لوحدهم كاملة. لكن المتغيرات الدولية والإقليمية إنقلبت هذه الأيام، فالولايات المتحدة منشغلة بحرب حلف "الناتو" ضد روسيا، في أوكرانيا. والعدو "الإسرائيلي" في أسوأ أوضاعه السياسية والعسكرية. والمقاومة في عز قوتها واستعداها. والمملكة السعودية تخطت صراعاتها مع أخصامها في الإقليم. وهي تعيد بناء علاقاتها ما إيران وسورية. وتعمل لإنهاء حربها في اليمن. وجل ما فعله الحلف الأميركي-"الإسرائيلي" هو إشعال فتنة في السودان، كرسالة إعتراض منه على هذه المتغييرات، بعد أن فشل سعيه لإقامة حلف "ناتو" عربي بقيادة المملكة السعودية، تكون "إسرائيل" ضمنه.

كما فشلت مساعيه للإبقاء على سيطرته على أسعار النفط. وأزمة النفط العالمية مرشحة للتفاقم نتيجة الصراع الروسي-الغربي. وبات تخويف البعض من "خطر إيراني" كذبة لا يصدقها أي عربي. وحلم إقامة جبهة عربية في وجه "إسرائيل"، بات واقعاً بامتداد إسلامي مميز تمثله إيران ويضم سورية والعراق واليمن والجزائر والمقاومة في لبنان وفلسطين. وأصبح ردع العدوان "الإسرائيلي" حقيقة ملموسة، بما يهدد أساس المشروع "الإسرائيلي" كقاعدة عسكرية غربية متقدمة. وفشل هذه القاعدة في الهيمنة على جوارها، سيلغي مبرر وجودها ويقرب نهايتها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل