لبنان، أزمة النزوح في دولة "نواطير الثلج" ! ــ أمين أبوراشد

الثلاثاء 02 أيار , 2023 01:01 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

انتهى الأسبوع الذي أعطته الدولة اللبنانية للمفوضية العامة لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لتزويدها بلوائح النازحين السوريين في لبنان، الذين يتقاضون مخصصات شهرية من "الأمم"، علماً بأن "داتا" هذه المفوضية لن تُفيد الدولة اللبنانية ذات الحدود السائبة حول العدد الفعلي للنازحين المقيمين في لبنان، طالما أن بعضهم لا تنطبق عليه صفة نازح وقد يأتي من سوريا لقبض مخصصاته ويعود في نفس اليوم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن المفوضية ليس من مهامها ضبط حدود الدول ومعابرها الشرعية وغير الشرعية، ولا هي جهة أمنية لتكون مرجعاً بديلاً عن الأمن العام وعن أمن الدولة وباقي القوى الأمنية والعسكرية، ولا هي سلطة حكومية في دولة "نواطير الثلج".

ضحِكنا وضحِك معنا اللبنانيون في السنوات الأخيرة من طرح أحد السياسيين لمسألة ضبط الحدود، عبر رصف جنود الجيش اللبناني بمعدل جندي عند كل مئة متر، حاملين الناضور على طول هذه الحدود، ونستذكر الناضور اليوم، عندما نرى دولتنا تستعطي من مفوضية تابعة للأمم المتحدة لوائح من هم داخل حدودها أو غادروها أو مَن يحملون صفة سائحين على طريق الشام، ولا نملك سوى إبداء الشعور بالخجل في بلدٍ بلا ناضور ولا ناطور! ونضحك ويضحك معنا اللبنانيون اليوم، على سياسيين مُقصِّرين وعلى إعلاميين قاصرين، في تساؤلاتهم عن أسباب إثارة مسألة النازحين فجأة، ويتناسون أن البلد بلغ حدود الإنفجار الإجتماعي بصرف النظر عن الأسباب غير المُفاجِئة التالية:

- دخول نازحين سوريين جدد الى لبنان بعد الزلزال الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا في شباط الماضي، وما تلاه من هزات ارتدادية، مع توقعات بازدياد الأعداد القادمة من جنوب تركيا، نتيجة قرار تركي بإخراج آلاف النازحين السوريين لأسباب اقتصادية ضاغطة، وسوف يتم تطبيقه بعد الانتخابات الرئاسية في منتصف أيار المقبل سواء فاز رجب طيب أردوغان أو كمال كليتشدار أوغلو.

- إصرار أوروبي وأميركي علني بالإبقاء على النازحين السوريين الحاليين ودمجهم في المجتمعات التي تستضيفهم حالياً بهدف استمرار الضغط على الدولة السورية.

- ضغط عربي مُضاد لإعادة النازحين كشرط لتفعيل العلاقات مع سوريا وإعادتها الى الجامعة العربية، مع تنفيس هذا الضغط في الداخل اللبناني نتيجة انقسام اللبنانيين كما في كل قضية وطنية منذ نشوء الكيان اللبناني.

وبعيداً عن موضوع فكرة النواضير وتنظيرات النواطير، سواء كانت نيابية أو حكومية أو من أحزاب ومنظمات المجتمع المدني اللبناني، فإن كل ما ورد أعلاه من ضغوط دولية وإقليمية في ملف النزوح السوري، تقع المسؤولية الكبرى والمباشرة في معالجته على الداخل اللبناني، ليس فقط على مستوى سلطة الدولة بكل أجهزتها، بل أيضاً على المستوى الشعبي الذي استثمر وما زال يستثمر في ملف النازحين، تهريباً وتمريراً وتجارةً غير مشروعة.

وبصرف النظر عن إرادة فريق يرى في توطين النازحين أنه يقلب معادلة التوازن المذهبي، وفريق يذهب الى ما هو أبعد، ولا يُمانع بوجود خلايا إرهابية في هذا المخيم او ذاك لمحاربة "النظام"، أو حتى عناصر مخابراتية في هذه القرية أو تلك، يأتي الجانب الإقتصادي ليطغى على تفكير الكثيرين من الشرائح الشعبية اللبنانية التي تستفيد من وجود النازحين، لا بل تعتاش منهم، وتجعل من بعضهم أزلاماً لها أو رهائناً لإرادتها، سواء عبر تأجير غرفة لعائلة نازحة أو السماح لأخرى بنصب خيمة في سهلٍ أو بستان، وجولة ميدانية تبدأ من أية منطقة شعبية في بيروت وضواحيها وتنتهي في سهول البقاع وعكار، يتبيًّن حجم الاشغالات للشقق السكنية والخِيَم البلاستيكية كنماذج عن الفوضى التي تسبب بها جشع المواطن اللبناني وتغاضت عنها الدولة في السنوات الماضية، ولا مخالفات تحصل سوى برضى الطرفين، بدليل أن هناك بلديات ضبطت ونظمت الوجود السوري من بدايته ولغاية الآن، وبلديات غائبة عن السمع والبصر.

الحل لمعضلة النازحين، لا ينتظر إذن أميركا التي تسكَر على عذابات حصارنا، ولا أوروبا التي تخاف نزوحهم إليها، ولا الدول الخليجية التي منعت أقدامهم أن تطأ رمالها، والكل يريد لهم البقاء حيث هُم من منطلق المصالح المتضاربة، والنازحون الذين يسكنون المخيمات ليسوا راضين عن مأساتهم، لكن إذا كانت الدولة اللبنانية قد قررت أخيراً التخفيف منهم بميزان الحق الإنساني والعدل الاجتماعي، فلتتوقف على الأقل الأبواق السياسية بوجه القوى الأمنية التي تُبعد المرتكبين منهم للجرائم والجنح على اختلافها، ولتصمُت بعض الفئات الحزبية الناعقة عند كل إجراء رسمي يُنصف اللبناني والسوري معاً، ولا حلول لضبط هذا الفلتان على الحدود، لا بناضور ولا بناطور، بل بالتنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية والمؤسسات الرسمية ذات الشأن لعودةٍ منظمة وكريمة، بعيداً عن الشحن العنصري غير المُجدي من قُطَّاف المواسم وبائعي الذمم على امتداد الأراضي اللبنانية، وهُم ليسوا أكثر من تجار رقيق ولصوص فساد، يرصدون "أخضر" الصفقات من رتبة وزير الى أبسط خفير، والشعب اللبناني يحصد الكوارث، بعد أن انهارت مؤسسات البلد من السراي الحكومي الى أصغر بلدية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل