أقلام الثبات
وقع السودان في براثن القتال بين الجيش السوداني بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة اللواء محمد حمدان دقلو. وهو القتال الذي ينقل بلاد الخيرات الممنوعة من الاستثمار الى اقتتال لا يبدو أنه مجرد نزاع على السلطة كما يروج الذين يستغبون الشعوب التي يجب ان تكون في مفهومهم مجرد حطب, فيما الحقيقة يتداخل فيها المحلي مع الاستراتيجي , والنفوذ الإقليمي والدولي في ظل الاتجاه نحو انتاج عالم عادل، في مواجهة عالم يتمسك الغرب بقيادة الولايات المتحدة بقواعده الاستغلالية والاستعمارية بأشكالها المختلفة .
ليس صحيحا ان العديد من الدول المتنفذة تريد وقف الاحتراب السوداني , وهي أصلا تقف وراءه, بعدما استشعرت ان نفوذها في المنطقة يقترب من خواتيمه غير السارة , وان الثروات المأمول السيطرة عليها لن تكون في عهدتها, في مسار نهب ما امكن منها , والقاء فتات منها الى النافذين المحليين .
لقد جاء اندلاع القتال في السودان, بعد تطورات هامة في المنطقة في مقدمتها الاتفاق الإيراني – السعودي, بما ينعكس من استقرار مهم على كل المنطقة, وطي ملفات التنافر, إضافة إلى التطورات الهامة في الملف السوري من حيث الاجتماع العربي والإقليمي, وأيضا "التمرد" السعودي في بعض النواحي, على التسلط الأميركي – الغربي غير المحتمل, اكان في خطوات "أوبك +"، او في الحرب على اليمن, والعمل على وضع الأخيرة على سكة الحل , وكذلك اقتراب , لا بل العمل على الانتماء على منظومتي شنغهاي وبريكس المواجهتين للتسلط الغربي على اقتصاديات العالم , وأيضا السعي الى التصديق على الاتفاقية بين موسكو والخرطوم بشأن إنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان.لأنها تتيح إمكانية الوصول المباشر إلى جمهورية إفريقيا الوسطى غير الساحلية ومنطقة الصحراء والساحل، حيث تعمل شركات التعدين الروسية".وايضا المواجهة الصينية – الأميركية في افريقيا حيث تتوسع الاستثمارات الصينية بما جعل الغضب الأميركي يفلت من عقاله, وخصوصا أن الرئيس الصيني أعلن بوضوح غير مرة أن بلاده ستحمي طرق تجارتها مع توقيع بكين والرياض اتفاقات في مجالات التمويل والاستثمار والابتكار والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والنفط والغاز، والطاقة المتجددة، واللغة والثقافة.وتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين المملكة والصين. كما ان مشروع الصين "الحزام والطريق" وهو الطريق الجديد، بعد طريق الحرير القديم وهو مشروع صيني عملاق تشارك فيه 123 دولة، تريد الصين من خلاله تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى.وهذا بحد ذاته يشكل استنفارا اميركيا للعب بالنار، اضافة الى ذلك فان الوضع السوداني ازداد سوءا بعد اكتشاف الذهب والنفط والغاز في البلاد. لا يمكن للمستثمرين الأجانب الاتفاق مع المجموعات العرقية، التي ينبغي أن تقرر من الذي يجب أن يُعطى حق الأولوية لتطوير التعدين والتصدير.
يثير الصراع في السودان قلق العديد من الدول، بما فيها روسيا والصين وايران والولايات المتحدة والبلدان العربية والإفريقية والأوروبية والآسيوية وحتى دول أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى العديد من المنظمات، كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، إلخ. والجميع يطالبون الطرفين بوقف إطلاق النار فوراً والعودة إلى حالة ما قبل 15نيسان , الا ان الأداء للدول يظهر من يريد فعلا وقف الاحتراب ومن يريد ان يدفع السودان الى اتون يشبه الصومال او ليبيا , وهما الدولتان من ضحايا الولايات المتحدة وحلف الناتو , وكل العالم يدرك ذلك , ووقفت غالبية الدول كشهود زور , لعلها تستفيد بحصة من الثروات الغائرة .بينما الأمم المتحدة عبر امينها العام أنطونيو غوتيرش يعلن بصريح العبارة ان الاعمال القتالية في السودان قد "تمتد إلى كامل المنطقة وأبعد منها".
ليس ما يجري في السودان مجرد تصفية حسابات بين طرفين , يبدو ان كلا منهما يمتلك قدرات شبه متكافئة مع الاخر, وما يجزم بذلك , هو ان القوى السياسية المؤثرة والتي كادت ان تصل الى اتفاق مع السلطة العسكرية للتوقيع على اتفاق اطاري للحكم , تقف على التل , لان في الامر خيانة , على اعتبار انه سوف تستمر المواجهة حتى تحسم إحدى القوتين الأمر أو تضعفهما وتملي عليها شروطها، لكن لا يبدو ان هنالك فرصة لإنهاء الاحتراب: "ما يجري بالسودان من تدهور شامل وشروخ في بنائه السياسي والمجتمعي والعسكري ومواجهات دموية يطرح مخافة جدية على مستقبل السودان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه وأمان شعبه، ويهدد استقرار القرن الافريقي والجنوب العربي وكذلك امن مصر ومصالحها الحيوية.. وفي هذا السياق فقد أفشل الغرب بقيادة اميركا أي تقارب مصري – سوداني بعد ان كانا بلدا واحدا, لان تكامل مصر والسودان والذي تفرضه الطبيعة وتخلق معه مصالح مشتركة طالما كان هدفا لمخططات اجنبية رأت في اي تقارب قوي البناء بينهما تهديد لمصالحها في القارة الافريقية وجنوب العالم العربي.
من المشين للعرب عشية القمة التي ستعقد في الرياض ,ان يدعو الكيان الصهيوني , الذي كان اول المحتفين بانفصال "دولة جنوب السودان " حيث باتت له قاعدة لوجستية واستثمارية قائد الجيش السودانيّ، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات "الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، للحضور إلى اجتماع "مصالحة" في إسرائيل، يبحث فيه طرفا النزاع في السودان، وقفا لإطلاق النار بوساطة إسرائيلية. ووفق مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإنه منذ اندلاع القتال في السودان، نقل وزير الخارجية، إيلي كوهين، والمدير العام لوزارته، رونان ليفي "رسائل، وتحدّثا مباشرة إلى برهان وحميدتي"، ودعاهما لوقف القتال. كما بعث مسؤولون في الموساد برسائل إلى الجانبين في السودان، تطالبهما بوقف التصعيد، وقال هؤلاء: إن كلا من البرهان وحميدتي "لم يستبعدا إمكانية حضور مثل هذا الاجتماع في إسرائيل"، مشيرين إلى أن الطرفين "ينظران إلى الأمر بشكل إيجابيّ".
لقد بات واضحا وجود تفسير سياسي واضح وهو أن الحكام العرب ينظرون حولهم ويرون صينا حازمة تتحدى الهيمنة الأمريكية، وروسيا قوية صامدة في وجه الغرب، وإيران تكسب سياسيا بصمودها الذي بات مضرب مثل , لا بل نموذجا يحتذى . وفي نفس الوقت يرى هؤلاء الحكام أن حلفاء أميركا في الشرق الأوسط يخسرون. وان العالم يتجه الى قيام نموذج جديد من العلاقات الدولية لا يجوز ان يكونوا مجرد بيادق على رقعته.