ماكرون ثائر ضد اميركا بعد زيارته الصين!‎ ـ يونس عودة

الثلاثاء 11 نيسان , 2023 09:25 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

القى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما يشبه كوب ماء في مرجل ضخم ترمد حطبه ,فلم يتحرك حتى الرماد الا في موضعه, وذلك من خلال اعلانه بعد زيارة طويلة نسبيا الى الصين أن الأوروبيين يجب ألا يكونوا أتباعا للولايات المتحدة في أزمات لا دخل لأوروبا بها.

وإنه يتوجب على أوروبا أن تقلل من اعتمادها على الدولار الأمريكي خارج "الحدود الإقليمية"، وتتجنب الانجرار إلى مواجهة بين بكين وواشنطن بشأن تايوان. من حيث توصيف ماكرون للمشكلة التي تقع تحت اعبائها اوروبا , تبدو صحيحة من خلال قوله ان "الخطر الكبير الذي تواجهه أوروبا هو أنها عالقة في أزمات ليست من شأننا أو أزماتنا مما يمنعها من بناء استقلاليتها الاستراتيجية" ومؤكدا على نظريته حول "الحكم الذاتي الاستراتيجي" لأوروبا، التي من المفترض أن تقودها فرنسا، لتصبح "قوة عظمى ثالثة".

اذا كان تشخيص الواقع الاوروبي من جانب ماكرون ,من حيث المضمون, الى هذا الحد من الاعتراف بالاستعمار الاميركي للأوروبيين, وهو في الحقيقة ربما اعمق من ذلك بكثير, حتى على المستوى المجتمعي حيث نشرت اميركا كل موبقات غير الطبيعية, واللاإنسانية في مجتمعات حاولت بناء منظوماتها الاجتماعية من خلال موروثاتها الثقافية بقيمها البشرية, فان دعوة ماكرون تبدو تحررية بشكل نسبي من القبضة الاميركية القاسية, لكنها اقل من الحدث - المسألة, التي اثارها , الا اذا كانت استعراضية, او ان هناك قطبا مخفية.

ان واقع الحال في اوروبا التي كانت سباقة في التقنيات, حتى العسكرية القت بنفسها في الحضن الاميركي, وباتت مجرد عميل يشتري اسلحة اميركية, يظهر انه اصعب, وهذا ايضا اشار اليه ماكرون بقوله أن أوروبا زادت من اعتمادها على الولايات المتحدة في مجال الأسلحة والطاقة وبالتالي يتوجب على أوروبا الآن التركيز على تعزيز الصناعات الدفاعية الأوروبية.

من حيث المضمون ايضا, فان الصدقية تحتاج الى اجراء عملي, وما دام ماكرون تحدث عن ضرورة ان تصبح اوروبا قوة عالمية ثالثة وتقودها فرنسا, بات لزاما عليه ان ينبري ويتقدم الصفوف في معاندة الجبروت الاميركي, وليس فقط في تصريح بعدما اندهش خلال مجريات زيارته الى الصين.

سيما انه دعا إلى تحقيق استقلال أكبر لأوروبا وعدم التكيف مع "الإيقاع الأمريكي". وضرورة "استيقاظ" الأوروبيين والتفكير في مصالحهم. اذا كان الرئيس الفرنسي منسجما مع كل ما اعلنه, فان عليه بداية ان يتحرك بسرعة داخل المجموعة الاوروبية التي تعمل بنفسها على التدمير الذاتي, من خلال الانصياع للرغبات الاميركية, في معاداة كل بقعة ترفض الثقافة الاميركية المدمرة, والاهداف الاميركية في اذلال الدول والامم.

اعتمادا على القوة العسكرية المدمرة والشريرة, سيما ان لفرنسا تجربة مرة مع من يد لها يد الصداقة ,تماما مثلما حصل مع فرنسا والمانيا في اتفاقية مينسك التي لو نفذت لما كانت اليوم الحرب في اوكرانيا. والسيء ان اميركا داست على البلدين وعلى التزاماتهما , لا وورطتهما في مماطلة تنفيذ الاتفاقية حتى تحقيق غاية الحرب, فمزيد من الدمار والموت, والاستنزاف الاوروبي ,ورفع مستوى العداء لروسيا ومن ثم الاتفاقيات التجارية لصالح الولايات المتحدة الموجودة في المقلب الاخر من الارض.

ان اعتراف الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند بلعب دور المخادع في اتفاقية مينسك يلقي بظلاله على موقف ماكرون , رغم ان الرئيس الحالي اذكى بما لا يقاس مع هولاند .لكن في السياسة يكون التوجس اكبر من الاذكى او الاكثر حنكة , واذا كان هولاند اعترف بالمماطلة الفرنسية في تنفيذ اتفلق مينسك , على مدى 8 سنوات لإعداد اوكرانيا قوتها العسكرية تحضيرا للمواجهة مع روسيا, وتأكيده ان الخطة كانت تقضي ببناء اوكرانيا قوتها العسكرية. و كان ينبغي إيقاف أنابيب غاز "السيل الشمالي-2" قبل اكتمالها، ومغادرة الشركات الغربية روسيا قبل ذلك بكثير. وهذا ايضا ما اعترفت به المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي كانت شريكة مثل فرنسا في الاتفاق , الذي ادت المماطلة في تطبيقه بضغط اميركي الى قيام روسيا بعد اكتشاف اللعبة بالعملية العسكرية المستمرة التي يراهن الغرب ولا سيما الاطلسي واميركا ان تدمر نتائجها في الهجوم الذي تدفع اليه القوات الاوكرانية في الشهر المقبل على ابعد تقدير اذا لم تؤثر الوثائق الاميركية المسربة عن الوضع.

من يدري اذا كان ماكرون صادقا سيما ان الانطباع في العالم كله ان الغربيون ديدنهم الكذب للوصول الى غايات محددة, ولما لا يكون ماكرون ممالئا للصين حالياً من خلال تصريحه للحفاظ على خط الود التجاري معها بسبب الحاجة , مع اليقين ان الصين تسعى الى الاستثمار في الدول الغربية مع اهتماها من الناحية الجيوسياسية ببناء عالم متعدد الأقطاب وتدرك أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيبذلان قصارى جهدهما لمنع ذلك". كما تدرك بكين أيضًا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عاجزان عن وقف صعود الصين كقوة عظمى. إذا ارتكب الأوروبيون خطأ آخر، بعد قطع العلاقات مع روسيا، وبدأوا بقطع العلاقات مع الصين، سيتغير النظام الجيواقتصادي في العالم بشكل كبير. سوف "تقع" أوروبا بالكامل تحت سيطرة الولايات المتحدة. من ناحية أخرى، فإن واشنطن تلعب بقسوة، وتطالب بأن يظل الاتحاد الأوروبي تحت قبضتها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل