أقلام الثبات
يدور جدال ولو بخجل وارتباك، عن إمكانية عقد صفقة لتخليص الإستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة العالق فيه، بفعل الضغوط والتدخلات الخارجية والفيتوات التي تفرض على اسم هذا المرشح، أو ذاك. فيما تتسابق الأحداث الداخلية والخارجية، لصرف أنظار اللبنانيين عن وقائع هذه الصفقة، بين أوجاع معاناتهم من ضربات الفساد المتحكم بهم؛ تحت وطأة تداعيات الحصار الدولي والعربي، المفروض عليهم، الذي لم تخففه بعد كل الإنعطافات الكبرى التي تشهدها المنطقة والعالم. وبين ما يحضّره لهم أهل الحكم والفساد؛ وتخططه لهم أيادي الهيمنة الخارجية والتبعية الداخلية، من محطات ضغط جديدة لإستكمال مؤامرة تجويعهم وإفقارهم، لإخضاعهم وفرض خيارات سياسية غير مقبولة منهم. من دون إهمال ما تشهده فلسطين المغتصبة، من إجرام صهيوني بحق شعبها الصامد تحت الإحتلال. ويعرف اللبنانيون من فقرهم وجوعهم ومن البطالة التي تفتك بهم، أنهم فريسة مافيات وكارتيلات متنوعة المهام والأدوار، تعمل كأذرع الأخطبوط، لمص دمائهم وسرقة خيراتهم؛ ولو أدى ذلك إلى هجرتهم وتفريغ البلاد منهم. ولذلك ولإنقاذ نظام الطوائف و"الكارتيلات"، القائم على الفساد والمحاصصة والزبائنية، بعد أن استهلك الوطن والكيان، يجري البحث في صفقات تطيل عمره وتجدد شبابه.
جوهرالصفقة المزمعة، إقامة توازن بين إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، مقابل تعيين رئيس للحكومة، يكون إحدهما محسوباً على أحد المحورين المتصارعين على صعيد الإقليم والعالم، فيما يعود ولاء الثاني للمحور الآخر. في تكرار لصفقة سبق ان نُكب اللبنانيون بها، عندما إنتخب رئيس للجمهورية وعين رئيس للحكومة، على قاعدة "السياسة والسلاح لكم" و"الإقتصاد لنا". فكان أن أعيد بناء الجيش كمؤسسة وطنية جامعة، إلى جانب وجود مقاومة ضحت وقاتلت ونجحت في رد أخطار كثيرة أحدقت بلبنان؛ وأقامت توازن ردع مع العدو "الإسرائيلي"، لمس اللبنانيون قيمته خلال الأيام القليلة الماضية، فيما دمر جماعة "الإقتصاد لنا" أسس الإقتصاد وأغرقوا البلاد بالديون؛ بالتوافق مع من تشارك معهم وتواطأ في نهب البلاد والعباد. ووصل الحال إلى ما هو عليه من مؤامرة، إختلست فيها أموال المودعين في المصارف وهربت إلى الخارج؛ وهبطت قيمة العملة الوطنية مائة ضعف، حتى الآن. وبات واضحاً سقوط كل الوعود والعهود، بتحسن الأحوال وانقاذ البلاد من القعر الذي وصلت إليه.
والخوف هذه الأيام من تكرار تلك الجريمة بحق لبنان واللبنانيين. ولنتذكر أنه بحجة إعادة إعمار ما دمرته الحرب الأهلية، في سبعينيات القرن الماضين، جرى الإستيلاء على واجهة بيروت البحرية ووسطها التجاري. وأصبحت "سوليدير" غيتو لقلة من الأثرياء، بعدما كان وسط بيروت واسواقها القديمة، ساحة وملتقى لكل اللبنانيين. كما أسست تلك الصفقة لوضع اليد على آلاف مليارات ليرات صندوق البلديات، المفترض انه "مستقل"، لتأسيس شركات مثل "سوكلين" و"سوكومي" وغيرها من شركات نهب الخزينة والمال العام. وكان ذلك نموذجاً "لإصلاحات" أخرى، مثل إنشاء شركات للخلوي باموال الناس، من دون أن يتكلف أصحاب تلك المشروعات، عناء وضع رساميل يستثمرونها لتحسين وتطوير الإقتصاد الوطني. بل كان ديدن المستثمرين والمتعهدين في تلك المرحلة، التي استمرت ليومنا هذا، هي "أهبش" من أموال الناس وكون ثروات وتحصن خلف منصبك السياسي، المحمي من مرجعياتك السياسية والطائفية. وهذه الأيام وبعد كل الضغوط والمناورات ومسرحيات الصراعات المفتعلة بين اهل السياسة، حان وقت جني نتائج حرب الإخضاع والتجويع التي مورست على اللبنانيين. وبعد أن تخطت قيمة الدولار الأميركي المائة ألف ليرة لبنانية، حان وقت الخدعة الكبرى، خدعة صناعة "منقذ" تحت شعار "حكومة الإصلاح"، يدعي رئيسها انتشال البلاد والعباد مما هم فيه، بدعم خارجي، فيما هو في الحقيقة يكرر نهج الفساد والسرقة والتبعية للخارج. ويشكل ترياقاً للنظام يطيل عمره ويمدد لرموزه الفاسدة. أما الأصوات الخارجية والدولية المدعية الحرص على لبنان وشعبه، فلو كانت صادقة وتريد مساعدة اللبنانيين في التخلص من الفساد والفاسدين، فإن أموال هؤلاء تحت أياديها، بعد أن سرقوها وهربوها وأودعوها في مصارف تلك الدول "الغيورة".
وأقصر الطرق لخدمة اللبنانيين، يكون بمصادرة تلك الأموال المنهوبة وإعادتها إلى خزينة الدولة، فيتخلص اللبنانيون من أصحابها ومن شرورهم، خصوصاً أن ما يشهده العالم والمنطقة من تغييرات في التحالفات والتوجهات، هي فرصة ثمينة لتغيير هذا النظام الرابض على صدور اللبنانيين. ولإقامة نظام قائم على المواطنة يصدق مع شعبه، فيعيد اموال المودعين؛ ويوقف سيل الهجرة من لبنان؛ ويؤمن فرص عمل للعاطلين عن العمل؛ ويطمئن من بقي إلى مستقبله عبر إجراءات إجتماعية وتأمينات صحية. ويوازن علاقاته مع الغرب والشرق ولا يبقى أسير إملاءات دول الهيمنة والتسلط. ويخفف العبء عن الدولة والشعب بالتفاهم مع الدولة السورية والتعاون معها، على إعادة النازحين منها إلى مدنهم وقراهم. مع رفض كل التوجهات الغربية بدمجهم في المجتمع اللبناني. فهل يتم إنقاذ لبنان، أم يخدع شعبه من جديد؟