أقلام الثبات
بلا شك ان الاتفاق الايراني - السعودي الذي كان حصيلة سنة ونيف من المساعي المتعددة المسارات , وتتوج بتوقيع برعاية صينية , شكل مفاجاة كبيرة للقوى المتضررة من عودة الوئام الى منطقة غنية , وقابلة لان تتقدم بقوة الى الواجهة الاقتصادية العالمية , مع الازمة التي تعصف في الغرب , وعلى رأسه الولايات المتحدة التي ظهرت طلائع ازمتها بافلاس البنوك , الاهم في الموضوع , ان هناك تغييرا جيوسياسيا على المستوى العالمي , بعد ان كشفت العديد من الدول ان الولايات المتحدة ليست شريكا موثوقا , ولا سيدا نبيلا , ولا حليفا يمكن الوثوق به ابدا , بعد الاف الفرص , والتجارب .
المفاجأة الكبرى ان الاتفاق اعلن في ذروة نشاط اميركي كثفت خلاله واشنطن من حركتها السياسية والعسكرية في " الشرق الأوسط" بما انبأ , بان حدثا غيرعادي , ستشهده المنطقة,خصوصا في ظل الازمة التي تعاني منها دول "حلف الناتو " في مواجهة روسيا, عبر المنصة الأوكرانية حاليا, وتداعياتها الاقتصادية , ولا سيما في أوروبا وبريطانيا , وأيضا الولايات المتحدة نفسها , وكذلك تحت ظلال الازمة الكيانية للكيان الصهيوني المؤقت , والمتآكل باضطراد داخليا, وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ، وهو امر يتفق عليه مع كل القيادات الصهيونية سواء في المعارضة , او الذين يؤيدونه , بان الكيان في "ازمة عميقة وخطيرة " . من الطبيعة الامبريالية والعنصرية , انه كلما اشتدت أزمات الداخل , تبحث الأنظمة عن شن حروب على أعداء خارجيين, لا بل حتى إيجاد مثل هؤلاء الأعداء المناهضين لسياسة الاخضاع, بهدف اعادة لملمة مجتمعاتها ,قبل الانهيار النهائي الحتمي.
على الهوامش تستعين القوى العدوانية مثل اميركا , وعصاها الغليظة في المنطقة- أي "إسرائيل", بما تيسر من القوى, والدول المرعوبة من الانتقام , كجزء من التغطية للعدوان سواء بالضغوط السياسية , او الاقتصادية , وصولا الى المس بامنها واستقرارها , وباشكال مختلفة , ومن ضمنها الإرهاب المنظم المباشر منه , او غير المعلن عنه ايضا. بعد سلسلة لقاءات على المستوى السياسي تولاها وزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن , ومستشار الامن القومي جيك سوليفان , فضلا عن أجهزة المخابرات والسفراء, ولم يكن اجتماع "العقبة "الأخير والخطير الا في السياق , والذي تنصل نتنياهو واركانه من نتائجه والتزاماته حيالها , وحسنا فعل لانه اظهر لمجالسيه في الاجتماع انه لا يقيم وزنا لهم , ولا لالتزامات موفديه ,إضافة الى جولة وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في دول الشرق الأوسط، بهدف إظهار أن واشنطن لا تزال تولي اهتماما للمنطقة.
والمسبوقة بالظهور المفاجئ لرئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، مارك ميلي، في الجزء الشمالي الشرقي من سوريه، الذي تسيطر عليه الفصائل الكردية ذات الرعاية الاميركية , من" البابوج الى الطربوش".وكذلك رعاية الفصائل الإرهابية مثل " داعش" التي اعيد تفعيلها ,وذلك بعد ان حط في تل ابيب .
لم تكن مستهجنة تصريحات الجانب الأميركي بتركيزه المتزايد على الشرق الأوسط بانه مرتبط بـ "مجموعة من التهديدات على علاقة بإيران". وبالتالي فان اميركا تعمل على حشد حلفائها لسيناريو الحرب على محور المقاومة الذي تمكن على مدار السنوات الماضية من اجهاض خططها التدميرية في المنطقة , وعمق ازمة الكيان الصهيوني على كل المستويات بما فيها الازمة الاجتماعية , ووضع الكيان القائم على العسكرة في حالة ترنح حقيقية , وهذا أيضا عبر عنه نتنياهو بتأكيده :"إن رفض الخدمة في الجيش الإسرائيليّ، من قِبل عناصره النظامية، أو الاحتياطية، يشكّل "تهديدا لأساس وجودنا"، لا شك ان الوضع في المنطقة ككل لا يزال متوتراً ليس فقط على خلفية المفاوضات المعلقة حول مصير الاتفاق النووي، والمواجهة المستمرة بين إسرائيل وإيران،بعد فشل الغربيين في لي ذراع ايران ,عبر تلك المفاوضات,او محاولات العبث الفاشلة في الامن والاستقرار الإيرانيين.
على الرغم من أن الجهود المحمومة للولايات المتحدة تنصبّ الآن على مواجهة روسيا والصين فإن الولايات المتحدة المرتبكة جراء نتائج سياساتها في العالم كله, بحاجة إلى الزيارات الحالية للوقوف على حقيقة ,الوضع العسكري والسياسي في المنطقة، بما في ذلك المشاعر السائدة لدى الحلفاء الإقليميين، لا سيما ان بعض الدول بدأت تسأم من التبعية العمياء ,لا بل بدأت تعلن نفورها من الاستخدام الوقح لها ,ولذلك تعمل واشنطن على إعادة إلى"بيت الطاعة" بالابتزازحينا وتخويفهم من ايران أحيانا كثيرة عبر إشاعة ضرورة طمأنة هؤلاء إلى دعم واشنطن لهم في المواجهة مع طهران ، حتى في ظل تركيز اهتمام الولايات المتحدة على منطقة أوروبا والمحيط الهادئ.وبحر الصين , والأرجح انه خلال هذه الزيارات، يجري النظر في الخطوات االمحتملة مستقبلا ,ومناقشتها لتطور الوضع واحتمالاته".
لم تكن اجتماعات واشنطن ,قبل ايام من الاتفاق السعودي - الايراني ,بحضور مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنجبي، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية رون ديرمير، ووفد إسرائيلي في البيت الأبيض.الا من ضمن مناقشات الوضع المتأزم كثيرا داخل الكيان , والوضع في المنطقة معطوفةعلى التدريبات العسكرية الأخيرة بين الجيشين الأميركي, و"الإسرائيلي"،والعمل على تعميق “اندماج” إسرائيل في محيطها الأمني والسياسي في إطار اتفاقات أبراهام الخبيثة، ومنتدى النقب السيئ الصيت ، والمنصات الأخرى ,وأعاد تأكيد موقف إدارة جو بايدن “الثابت” بأمن إسرائيل، والتأكيد الوارد فيما سمي “إعلان القدس” للشراكة الاستراتيجية الأميركية_ " الإسرائيلية"، الذي وقعه بايدن خلال زيارته إلى الكيان في تموز 2022.الا في سياق ترميم التآكل غير القابل للترميم ,وليست المعزوفة الأميركية المشروخة بأن “الولايات المتحدة ملتزمة بمنع إيران من تطوير سلاح نووي.,وتعزيز التعاون المتبادل بشأن “التهديدات” التي تشكلها إيران, وهو الموقف الإسرائيلي بامه وابيه , الا في السياق عينه. لا شك ان الاتفاق بين السعودية وايران اذا تجاوز حقول الالغام الاميركية - " الاسرائيلية" , ستكون المنطقة اخذت خيارا استراتيجيا , في الوقت الذي تتآكل فيها بنية الكيان الصهيوني.