أقلام الثبات
بعد مرور عقدٍ ونيّف، عادت المملكة العربية السعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتنتهج سياسة "الصفر مشاكل"، للحد من خسائرها، على امتداد المنطقة، خلال الفترة المذكورة. بالتالي العودة إلى "السياسة شبه التكاملية" التي سارت بها "المملكة" في ثمانينيات وتسعينيات القرن الفائت في المنطقة، يوم كانت أحد أعمدة التوازن في جامعة الدول العربية، إلى جانب مصر وسورية.
ولاريب أن هذا التوزان في العلاقات العربية، أثمر استقرارًا، ليس على المستوى العربي فحسب، بل على مستوى دول المنطقة "غرب آسيا" ككل، وكانت سورية تؤدي دور الوسيط في حل النزاعات والتباينات، تحديدًا بين إيران والمملكة السعودية، ودول الخليج، لما لدمشق من علاقة استراتيجية، تربطها بطهران. ولاريب أن انعدام التوازن بين الدول العربية على مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية، أسهم في إدخال المنطقة في أتون حربِ عبثيةٍ شعواءٍ، حوّلتها مسرحًا للإرهاب وعدته.
وبعد الخسائر التي منيت بها السعودية، تحديدًا في اليمن وسورية، أعادت المملكة بقيادتها الشابة الحسابات السابقة، وعلى ما يبدو قررت وقف الخسائر، والحد من بعض الموروثات، كالفكر الأصولي المتطرف، الذي لم يجلب إلى المنطقة سوى الخراب، وإلى "المملكة" سوى سوء علاقاتها مع دول الجوار. وها هي تعلن السعودية من الصين، المنافس الأول للولايات المتحدة الأميركية، على المستوى العالمي، إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض في غضون أسابيعٍ. والأهمية تبرز هنا، أن الإعلان جاء من الصين، أي أن "المملكة" تقيم توازنًا جديدًا في علاقاتها الدولية بين الشرق والغرب. ومادام لديها مقدراتٍ ماليةٍ ضخمةٍ، تسعى إلى توظيفها في مشاريعٍ مستقبليةٍ في السعودية، الأمر الذي يحفّز دول الغرب إلى إقامة أفضل العلاقات مع المملكة، وما يعزز دورها على المستوى العالمي أيضًا.
إلى ذلك، بات من المحسوم، عودة العلاقات الثنائية السورية- السعودية إلى ما كانت عليه قبل بدء الحرب الكونية على سورية في آذار 2011. فبعد أنقرة الشريك الأكبر في الحرب على الشعب السوري، التي أعادت حساباتها، وها هي ذاهبة إلى موسكو ممثلة بنائب رئيس الدبلوماسية التركية للاجتماع بنظيره السوري خلال الأيام القليلة المقبلة، كخطوةٍ أساسيةٍ على طريق عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وفي هذا السياق جاء تأكيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال لقائه بباحثين ومحللين سياسيين من مختلف دول المنطقة، في الأيام القليلة الفائتة، أن الوضع السياسي الراهن في سورية، انتقل، وينتقل إلى مرحلةٍ جديدةٍ على الصعد كافةٍ، خصوصًا لجهة إعادة تفعيل علاقاتها الدولية، على أن يرفع الحصار والعقوبات عنها، واصفًا أن ما حققه محور المقاومة في الميدان السوري، هو كرامة إلهية.
وسط هذه الأجواء التصالحية في المنطقة، تعتبر مصادر في المعارضة السورية، أن العلاقات السورية- السعودية، لم تشهد أي تطورٍ ملموسٍ، وكل ما ذكر على لسان الدبلوماسية السعودية، حيال دمشق، لا يعدو سوى "تليين" في المواقف حتى الساعة. غير أن المصادر عينها، أقرت أن المعارضة السورية، بلغت أسوأ المراحل، خصوصًا بعد التقارب التركي- السوري، كون أنقرة كانت تشكّل الراعي الأول لهذه "المعارضة"، وقد تتخلى تركيا عن هذه "المعارضة" نهائيًا في أي تسويةٍ مرتقبةٍ مع الحكومة السورية، ودائمًا برأي المصادر.
ولاريب أن الأجواء الإيجابية المذكورة ستنسحب على لبنان واليمن، وما يؤكد ذلك، الموقف الذي أكد فيه وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود جود إجماع بدأ يتشكل في العالم العربي، على أنه لا جدوى من عزل سورية، وأن الحوار مع دمشق مطلوب حتى تتسنى معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين. فمعلوم أن أزمة النزوح السوري أرهقت الخزينة اللبنانية، وأن حل هذه الأزمة بحد ذاتها، يشكل انفراجًا كبيراً، على طريق إنهاء هذه الأزمة، التي أرهقت كاهل اللبنانيين.