أقلام الثبات
ليست المرة الأولى الذي يطرح فيها اسم السفير نواف سلام، كمرشحٍ لرئاسة الحكومة اللبنانية، فقد طرح غداة استقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة حكومة عهد الرئيس العماد ميشال عون الثانية، إثر اندلاع "احتجاجات 17 تشرين الأول 2019"، يومها قرر الأول الالتحاق بالانقلابيين من مدنيين، وعسكريين، والمشاركة في الانقلاب على هذا العهد ورئيسه، بعدما اتخذ قرارًا وطنيًا، قضى بتحرير جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية من الإرهاب، الذي استهدف استقرار لبنان من شماله إلى جنوبه، بالعمليات الانتحارية، وتفجير السيارات الملغومة، التي كانت تنطلق من "جرود السلسلة" في اتجاه مختلف المناطق الآمنة كجبل محسن في طرابلس، وبيروت، والضاحية الجنوبية، وصيدا.
ورغم رفض الإدارة الأميركية لتطهير هذه الجرود من رجس الإرهاب، غير أن حليف المقاومة الرئيس عون، لم يكترث، وأعطى أوامره للجيش اللبناني باقتلاع الإرهابيين، الذي روّعوا المواطنين اللبنانيين على امتداد مساحة البلد. فكانت عملية فجر الجرود في آب 2017، التي انتهت بتطهير جرود سلسلة جبال لبنان الشرقية من الإرهاب وأدواته. ما أثار غضب واشنطن، التي قررت "إسقاط" العهد العوني. وبدأت التحضير للانقلاب عليه، من خلال إنشاء مجموعات ما يسمى بـ "المجتمع المدني" والمنظمات غير الحكومية".
وفي هذا الصدد، يؤكد مرجع رسمي كبير، أن وزارة الداخلية تلقت مئات طلبات "علم وخبر" أي ترخيص لجمعياتٍ ومنظماتٍ غير حكوميةٍ ما بين العام 2017 و2018، في سياق التحضير للانقلاب المذكور، بالتواطؤ مع قوىٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ، بحسب المرجع. ولم يسمع آنذاك صوتًا واحدًا يقول": "إن ما حصل مرفوض"، سوا صوت الأمين العام لحزب السيد حسن نصر الله، الذي دعا بدوره الحريري إلى البقاء في موقعه، لكنه قرر "ركوب موجة الثوار". وتخلى عن مسؤولياته تجاه بلده وشعبه، مراهنًا على سقوط الرئيس الذي لم يتخل عن رئيس "المستقبل"، يوم اعتقاله في المملكة السعودية، وإجباره على الاستقالة من رئاسة الوزراء، غير أن الرئيس عون، رفض هذه الاستقالة، وبذل ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل كل جهود لإنقاذ الحريري، بل أكثر من ذلك، أبلغ عون مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، أن وجود رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، مرتبط بوجود الحريري في السرايا الكبيرة، كذلك أكد عون للمفتي يومها، عبر أحد الوزراء، "لقد تسلمت مقاليد السلطة أنا والحريري معًا، فإما نكمل الطريق معًا، وإما أغادر قصر بعبدا، إذا لم يعد رئيس الوزراء من معتقله إلى لبنان".
ورغم كل ذلك، آثر الحريري الاستقالة من رئاسة حكومة عهد عون الثانية، ثم مغادرة البلد، ليخلفه الرئيس حسان دياب. بالعودة إلى تلك الحقبة، طرحت بعض القوى السياسية اللبنانية الرافضة لوجود سلاح المقاومة، وسيطرة حزب الله على "مفاصل الدولة"، على حد تعبر هذه القوى، اسم السفير سلام، كمرشحٍ لخلافة الحريري، الأمر الذي رفضًا قاطعًا من الحزب، الذي تمسك في حينه ببقاء الحريري. واعتبرت آنذاك قوى الثامن من آذار، أن استبدال الحريري بسلام، سيشكل مشروع فتنةٍ كبيرةٍ للبنان، الامر الذي يتصدى له "الحزب". فماذا تغيّر اليوم، كي يقبل بسلام، مقابل انتخاب رئيس جمهورية حليف للحزب، مع العلم، أن أسم سلام، طرح في عهد أكبر حلفاء المقاومة، الرئيس عون، الذي يحظى بتأييد قاعدةٍ شعبيةٍ كبيرةٍ أيضًا، ولم يقبل الحزب بهذا الطرح نهائيًا، إذًا هل يغيّر الحزب موقفه اليوم؟.
هنا، يؤكد مرجع سياسي في الثامن من آذار، تمسك فريقه الرافض لتسمية سلام، لافتًا إلى أن طرح اسم سلام، غير جديٍ. ويلفت إلى أن السعودية غير مكترثة للوضع اللبناني راهنًا، وأن عين المملكة على اليمن، واهتمامها منصبة راهنًا على الخروج من الحرب معه، كذلك في إعادة تطوير علاقاتها مع سورية، واستئناف مفاوضاتها مع إيران، فالوضع اللبناني ليس في سلم أولوياتها، ودائمًا بحسب المرجع.
ويستبعد أن تبدي السعودية موقفًا واضحًا، أو تدفع في اتجاه إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني، قبل جلاء الوضع في اليمن. وفي سياق متصل، تؤكد مصادر حزبية ألا حل يلوح في الأفق القريب، لإنهاء الشغور الرئاسي، ثم تأليف حكومةٍ جديدةٍ، للبدء في الخروج من النفق المظلم الذي دخل لبنان، على حد تعبير المصادر، مادامت الولايات والسعودية، ترفضان انتخاب رئيس جمهورية حليف لحزب الله، بل سيذهبان إلى مواجهة أي عملية انتخاب مرتقبة تفضي إلى ذلك.
وتلفت المصادر إلى أن الدليل إلى ذلك، هو إقدام مسؤولي القوات اللبنانية إلى إطلاق مواقف نارية من الثنائي الشيعي. ولا تستبعد لجوء القوات، إلى استخدام التصعيد الميداني في وجه محور المقاومة، من خلال السيطرة على المناطق المسيحية، في ضوء الظروف المعيشية الصعبة الراهنة، وانطلاقًا من فكرة طرح "اللامركزية المالية"، وذلك في إطار الضغوط المستمرة على هذا المحور في لبنان والمنطقة، لتحسين شروط الفريق الآخر، تختم المصادر.