تحلّل الدولة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 03 آذار , 2023 10:21 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تتوالى الأحداث على اللبنانيين، حتى أصبحت حالهم كحال الشاعر العربي الشهير أبي الطيب المتنبي، في قوله: "رماني الدهرُ بالأرزاءِ حتى (صار) فؤادي في غشاءٍ من نِبالِ، فصرْتُ إذا أصابتني سِهامٌ، تكسّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ". ومن أبرز هذه النصال وجديدها، تحلل آخر ما تبقى من مؤسسات الدولة ومظاهرها، نتيجة صراعات أهل السلطة وتكالبهم عليها.

هذا الإنهيار الرسمي، لا ينسينا أن لبنان لم يكن يوماً بخير، في ظل نظامه الوظيفي القائم على خدمة مصالح دول الغرب والتبعية لها؛ وكذلك في ظل تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف وأرباب الإحتكارات؛ واستغلالهم التنوع الطائفي وإثارتهم للعصبيات، في صراعاتهم على المحاصصة وفرض النفوذ.

ومع إشتداد حرب الضغوط الخارجية والحصار الإقتصادي والمالي، الأميركي والغربي والخليجي، على لبنان، المتكامل في إيقاعاته مع فساد أهل السلطة في الداخل؛ وتخريبهم كل حلم لبناء دولة حقيقية، بإصرارهم على البقاء في دولة مزارع الطوائف، تتحلل آخر مؤسسات الدولة وهي مؤسسة الجيش؛ وتتهددها الأخطار المتنوعة، بعد أن تحول دورها من حماية الوطن والشعب، إلى "مصنع" لرؤساء الجمهورية، مما يجعل أولوياتها حماية اهل الحكم والسلطة، حتى لو كان ذلك على حساب السكوت عما يتعرض له الشعب من إفقار وتجويع وإذلال. فخلال السنوات والعقود الأخيرة، التي تلت توقيع إتفاق الطائف وإنهاء الحرب الأهلية، التي استمرت عملياً خمسة عشر عاماً (1975-1990)، سادت قناعة بين اللبنانيين، بأن مشروع إعادة بناء الدولة لمرحلة ما بعد الحرب، نجح في مكان واحد فقط، هو توحيد المؤسسة العسكرية لتكون مؤسسة وطنية، بعد أن قسمتها الحرب إلى ألوية طائفية ومذهبية ومناطقية.

في حين بقيت مختلف مؤسسات الدولة الأخرى، غارقة في الفساد والمحسوبيات والتفلت الإداري وغيره من أمراض الإدارة اللبنانية، الملوثة بفساد أركان النظام ومحاصصاتهم وعصبياتهم، التي يلهون بها اللبنانيين عن مواجهة مشاكلهم وعن المطالبة بوجود حكم ودولة، تهتم بشؤونهم وتحل مشاكلهم وتخطط لمستقبل اجيالهم. بدلاً من خلق المشاكل لهم والترسمل عليها.

لكن الأزمة المالية والإقتصادية الضاغطة على رقاب اللبنانيين، إضافة إلى إصرار دول معينة على ممارسة نفوذها على لبنان عموماً؛ وداخل المؤسسات العسكرية الأمنية خصوصاً، بات يهدد هذه المؤسسات الوطنية. فالخشية حقيقية على مصيرها؛ إذ ليس أمراً بسيطاً أن يحتفل قادة المؤسسات العسكرية والأمنية، بتسلم هبات مالية مثل مبلغ 60 مليون دولار من قطر، أو 74 مليونا مساعدة من الأميركيين، لزوم دعم رواتب عناصرها التي فقدت قدرتها الشرائية بالكامل. أو تسلم هبة مواد غذائية وتموينية، يوماً من تركياً ويوماً من مصر أو الإمارات وغيرها. فمن يأكل خبز السلطان عليه أن يضرب بسيفه، هكذا قال أجدادنا. وهكذا تقول تجارب الشعوب والمؤسسات.

في حين أن الدول التي تحترم نفسها، تفرض على مؤسساتها الأمنية التعاطي مع الخارج، من خلال وزارة الداخلية. كما تفرض على المؤسسات العسكرية التواصل مع الآخرين، من خلال وزارة الدفاع. لا أن يصبح قادة هذه الأجهزة والمؤسسات، شخصيات عامة تتعاطى السياسة وتلتقي السفراء والقناصل؛ وتتلقى الدعم المالي والعيني منهم مباشرة، قافزة فوق ما يسمى سلطات تنفيذية ووزارات معنية. مما يجعل أمراً محقاً السؤال عن ولاءات تلك المؤسسسات وقادتها، هل هي للدولة والوطن، أم للممول والواهب. والأخطر، عندما يتحول قادة تلك المؤسسات والأجهزة، إلى مرشحين للمناصب الرسمية الموزعة على الطوائف، فيصبح الصراع ليس على الشخص المرشح لهذا المنصب أو ذاك، بل على الولاء السياسي الخارجي لمن سيجلس على كراسي الرئاسات والوزارات.

وتصبح بالتالي، إمرة السلطة والثروة والسلاح، في البلاد، بأيدي السفارات والقناصل؛ وتحديداً، تلك التي تولت يوماً تمويل وإطعام عناصر تلك المؤسسات؛ وأقامت علاقات مباشرة مع قادتها. ويبلغ التحلل مدى هزلياً، عندما تتحول العناصر العسكرية والأمنية إلى سعاة أو عمال في المطاعم وفي محلات بيع الخضار، أو في ورش تصليح السيارات وورش البناء، بعد أن سمحت لهم قياداتهم بالعمل المدني لتحصيل قوتهم، الذي سرقه منهم حكام الفساد وأصحاب المصارف، بغطاء من دول الهيمنة الغربية والعربية.

فهل هناك إنهيار مؤسساتي وتحلل أكثر وأدهى مما يحصل. وهل سيصبح حال اللبنانيين، بعد أن يبلغ بهم الياس وفقدان الأمل، كحال آخر قصيدة المتنبي، حيث يقول: "فعشت ولا أُبالي بالرزايا، لأنِّي ما انتفعتُ بأن أُبالي"، لأن مصير الناس والبلد بات على يد عفريت؛ ولا أفق للحلول أو للإنقاذ في ظل هكذا ونظام وهكذا حكام.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل