مقابل ما يعد للمنطقة .. لا كبيرة للناتو ــ يونس عودة

الثلاثاء 21 شباط , 2023 09:14 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تدور في الاروقة التحتية في المنطقة حركة حثيثة ومعمقة حول السبل لإنتاج ما يسمى ("الناتو العربي") لتكون اليد الاميركية الناتوية في المنطقة , ضد الذين يرفضون الانصياع للغرب المتوحش بقيادة الولايات المتحدة، صحيح أن الفكرة ليست جديدة ,ولاقت في السابق عقبات أمام تحويلها الى واقع , لكن محاولة بث الروح فيها بعثت من جديد, بموازاة ارتفاع منسوب الهجمة على محور المقاومة من جهة, ومحاولة تسريع الخطى في اتفاقيات ابراهام لاسرلة ما أمكن من الدول العربية من جهة أخرى, خصوصا بعد الفشل الذي احاق بسياسة الولايات المتحدة من خلال الثورات "الملونة" التي حاولت عبرها السيطرة على الدول المستهدفة في المنطقة.

فقد عمدت الولايات المتحدة مؤخرا الى استخدام سياسة العصا والجزرة اتجاه العديد من دول المنطقة, وبالأخص أولئك الذين يصنفون ضمن المدار الأميركي، والمقصود مصر والاردن على وجه التحديد, خصوصا ان الدولتين ترتبطان بعلاقات ومعاهدات مع إسرائيل، علماً أن الاردن هو من كان مكلفا بتمرير فكرة الناتو العربي في البداية, لكن جهوده المضنية لم تلق التجاوب المطلوب، في وقت تتعرض فيه منذ فترة كل من مصر والاردن لعملية ضغط وابتزاز كبيرة, تمظهرت في الوضع الاقتصادي في البلدين, لالزامهما في سياق التحضير للحلف المتوخى, رغم انهما يدركان خطورته على المنطقة اذا ولد, بغض النظر عما اذا كان المولود مسخا, لكنه يناسب العقل الاميركي ,ومخططه بشأن المنطقة.

من المؤكد أن تسريب معلومات عن الدليل السري لحلف الناتو الاصلي واستراتيجيته الجديدة خلال انعقاده منتصف الشهر الجاري في بروكسيل وانه بحث في طرق لمشاركة أعضاء الناتو في الأعمال العسكرية في وقت واحد، بما في ذلك خارج منطقة المسؤولية المنصوص عليها في المادة 5 من ميثاق الدفاع الجماعي للحلف. يندرج في خطة الضغط على دول المنطقة, وهي الدول التي لها تجربة مريرة ودامية ومدمرة مع الحلف, وانشطاراته وفق الرغبة الاميركية التي تختار مسميات المعتدين، فتارة تكون باسم "القوات المتعددة الجنسية", واطوارا باسم "تحالف دولي".

ان الجرائم التي ارتكبها حلف الناتو في المنطقة من العراق الى ليبيا الى افغانستان والصومال, وزرع فيها لاحقا منتجاته الارهابية, مع النظر الى الدمار الذي يستلزم عشرات السنين لإعادة بنائه , كافية للتوحد بوجه الوحش الذي يعد الغرب بتصنيعه, في سياق تسويق تضليلي, هدفه الامساك بأوراق فاعلة ,مع تبلور صورة العالم الجديد, غير الخاضع للمشيئة الاميركية المدمرة.

يوما ما , لا يبدو بعيدا جدا, ستنهي روسيا عمليتها العسكرية بعد ان تحقق اهدافها في مواجهة حلف الناتو الذي احكمت من خلاله واشنطن قبضتها على رقاب غالبية الاوروبيين, الذين شعرت شعوبهم بخسارة ليست بسيطة من الرفاهية التي اعتادوا عليها, لا بل وصلت هواجسهم الجدية الى احتمال ان يدفعوا الاثمان الغالية فيما لو وقعت حرب نووية, بحيث تكون اوروبا المسرح الأكثر هولا ودمارأ, وفي الوقت نفسه يعد حلف الناتو ساحات جديدة لنشر اوبئته من خلال شرائح نخبوية في منطقة الشرق الاوسط , ومنها بعض الحكام المتورطين في علاقات غير شريفة مع القيم الاوحد على الناتو الا وهو الولايات المتحدة , وهؤلاء تحديدا, وبعد انكشاف الدور الاميركي المركزي في ما يسمى "الربيع العربي "عليهم ان يراجعوا انفسهم, وغاياتهم ,اذا احسنوا استخلاص العبر , وهي العبر المستمرة فصولا, وأقله التوقف عن التأثر ب"كتائب غوبلز" في نشر الدعايات المضللة المعتمدة تماما في حصن الناتو الاول - اميركا -ولهذا الامر دليل ساطع يدين أصحابه بألسنتهم.

لقد أظهر استطلاع حديث للرأي، أن نصف الأميركيين يعتقدون أن المؤسسات الإخبارية الوطنية تتعمد التضليل أو المغالطة أو إقناع الجمهور بتبني وجهة نظر معينة من خلال تقاريرها. و الاستطلاع، الذي أجرته مؤسستا "غالوب" و"نايت فاونديشن"، يذهب إلى أبعد من استطلاعات أخرى أظهرت مستوى منخفضا من الثقة في وسائل الإعلام إلى حد نقطة مذهلة حيث يعتقد الكثيرون أن هناك نية للخداع. ووافق 50 في المئة، من المستطلعة آراؤهم على ان مؤسسات الأخبار الوطنية تتعمد التضليل، بينما كان 25 في المئة في رأي مغاير ,اي إنها لا تتعمد ذلك.

فلقد صدم الاستطلاع النخب الاميركية بمن فيها مؤسسة "غالوب"، بحيث قالت المستشارة في المؤسسة ,سارة فيوروني : "كان ذلك مذهلا جدا بالنسبة لنا". والنتائج أظهرت عمقا من عدم الثقة والشعور السيء الذي يتجاوز أسس وعمليات الصحافة. ان المنطقة العربية لما تختزنه من ثروات باطنية طالما كانت هدفا للغزوات ولا سيما من الغرب الذي يمهد باستمرار ببرامج مضللة ,ما جعلها في منتصف خط الزلازل السياسية التي تتجلى دوما بحروب واحتراب, اثمانها اعلى بكثير من المواجهة المطلوبة , ولذلك بات المطلوب حركة وعي وتوعية صالحة, مقباسها الصدق والصراحة , وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الاميركية - الناتوية صاحبة الاهداف الاستعمارية , والمسألة لا تحتاج سوى الاحساس بالكرامة، لقول لا كبيرة للناتو سواء كان عربيا بالاسم والشكل, او اطلسيا بالمضمون كله. لانه اينما وجد الناتو حل الموت والدمار .


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل