الثبات – التصوف
حِزْبُ الشَّكْوَى
للإمامِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِليِّ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحــمْــدُ للهِ ربِّ العـــالمين حَــمــداً كثيراً مُــبَارَكاً كما يُـحِبُّ ربُّنا ويَـرْضَى، السَّــلام عَــليْـكَ أيَّـهَا النبيُّ وَرَحْــمَةُ اللهُ وبَرَكاتُه
اللهمَّ صَـلَ ّ على سيَّدِنَا محمد كما صَـلَّيتَ على سيَّـدنا إبراهيم، وبَـارك على سيَّـدنا محمَّد وعلى آلِ سيَّدِنَا محَّمد كما باركْتَ على سيَّدِنَا إبراهيم وعلى آلِ سيَّدِنَا إبراهيم، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ، ربــَّـنَـا تَــقَــبَّـلْ مِــنَّـا إنَّــكَ أنت السَّــميُع العَليم .
اللهمَّ إني أشــكُـو إليك ضَـعْفَ قُــوَّتي وقِــلَّةَ حِــيلَتي وهَــوَانيِ على المخْـلُوقينَ، أنْتَ ربُّ المسْتَضْعَفينَ وأنْتَ ربَّي، إلى مَنْ تَـكِلُني، إلى عَـدُوَّ بَـعِيدٍ يتجهمني، أو إلى صَــدِيقٍ مَـلكْـتَهُ أمْــري، إن لمْ يَــكُـنْ بكَ عَليَّ غَضَبٌ فلا أُبالي، ولكِنْ عَافِـيَتُكَ أوْسَعُ لي، أعــوذُ بنُورِ وَجْهِكَ الذي أَشْرَقَتْ بهِ الظُّلُمات، وصَلُحَ عَليه أمْـرُ الدُّنيا والآخِرَة مِنْ أن يـَــنـْـزِلَ بي غَضَبُكَ أوْ يَحِلُّ عليَّ سَخَـطُكْ، لك العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بك.
ربّ أشكُو إليك تَلَوُّنَ أحْـوالي وتَوَقُّفَ سُــؤالي يا مَـنْ تَعَلَّقَتْ بلطِيفِ كَـرَمِهِ عَــوَائِدُ آمــالي، يا مَـن لا يَخْفَى عَليهِ خَـفيُّ حَـالي، يا مَـنْ يَـعْلَمُ عَاقِبَةَ أمْــريِ ومَـآلي، رَبَّ إن نَاصِيَتي بيَدِكَ، وأمُـوري كُلَّها تَرْجعُ إليكَ، وأحْوَالي لا تَخْفَى عليك. وآلامي وأحْزاني وهُمُومي مَعْلُومَةٌ لديك، ربِّ إني قد جَلَّ مُـصَابي، وعَظُمَ اكْتِئَابي، وتَصَرَّمَ شَبَابي وتكدَّرَ عَليَّ رائِقُ شَرابي، واجْتَمَعَتْ عَليَّ هُمُومي وأوْصَابي، وتَأَخَّرَ عَنيّ تَعْجيلُ مَطْلَبي وتَــنْـجِيزُ أعْــتَابِي، يا مَنْ إليه مَرْجِعي ومَآبِي، يا مَن يَعْلَمُ سِرَّي وعَلانـِـيـَةَ خِطَابي، ويَعْلَمُ مَا عِلَّةَ أَلَمِي وحَقيقَةَ مَا بِي، قد عَجزَتْ قُدْرَتي قَلَّتْ حِيلَتي وضَعُفَتْ قُوَتَّي، وتَاهَتْ فِكرَتي، واتَّسَعَتْ قَضيَّتي، وسَاءَتْ حَالتي، وبَعُدَتْ أُمْنِيَتي، وعَظُمَتْ حَسْرَتي، وتَصَاعَدَتْ زَفْرَتي، وفَضَحَ مَكْـنُونَ سِرَّي إسْبَالُ دَمْعَتي، وأنتَ مَلْجَـئي وَوَسيلَتي، وإليك أرْفَعُ بَثيَّ وشكايتي وأرجوكَ لدَفْع عِلَّتي، يا مَن يَعْلَمُ سِرّي وعَلانيتي.
اللهمَّ بابُك مفتوحٌ للسَّائِلْ، وفَضْلُكَ مَبْذُولٌ للنَّائِلْ، وإليك مُنْتَهى الشكْوَى وغَايَةُ الوَسَائِلْ.
اللهمَّ ارحم دَمْعِيَ السَّائِلْ، وجِسْمِيَ النَّاحِلْ، وحَالِيَ الحَائِلْ وسِنَدِي المائِلْ، يا مَن إليه تُرْفَعُ الشكوىَ، يا عَالِمَ السّرَّ والنَجْوَى، يا مَن يَسْمَعُ ويَرَى، وهُوَ بالمنْظَرِ الأعْلى، يا ربَّ الأرضِ والسَّماء، يا مَن له الأسْماءُ الحُسْنَى، يا صَاحِبَ الدَّوامِ والبَقَاء.
ربِّ عَبْدُكَ قَد ضَاقَتْ به الأسْبَابُ، وغُلَّقَتْ دُونَهُ الأبواب، وتَعَذَّرَ عليه سُلُوكُ طريق الصَّواب، ودَار به الهَمُّ والغَمُّ والاكتِئَاب، وقَضَى عَمَّرَه ولم يُفتَحْ له إلى فسِيح تِلك الحَضَراتِ مَنَاهِل الصَّفْوِ والرَّاحَاتِ باب، وانصرمت أيامُهُ والنّفْسُ راتِعةٌ في مَيادين الغَفْلَةِ ودَنئِ الاكتساب، وأنت المرجو لكَشْفِ هذا المُصَاب، يا مَن إذا دَعِيَ أجَابَ، يا سَريعَ الحِسَابِ، يا ربَّ الأرباب، يا عَظيم الجنابِ.
ربَّ لا تَحْجُبْ دَعْوَتي، ولا تَرُدَّ مَسْألَتي، ولا تَدَعْني بحَسْرَتي، ولا تَكِلْني إلى حَوْلي و قُوَّتي و ارْحَمْ عَجْزِي وفَاقَتي، فقد ضَاقَ صَدْري، وتَاهَ فِكْرِي، وانْصَرَمَ عُمْرِي وقد تَحيَّرْتُ في أمْرِي، وأنت العَالِمُ بسِرّي وجَهْرِي، المالِكُ انَفْعِي وضُرَّي، القادِرُ على تَفْريجِ كَرْبي و تَيْسير عُسْرِي.
ربّ ارحم مَنْ عَظُمَ مَرَضُه، وعَزَّ شِفَاؤهُ، وكَثُرَ دَاؤُه و قَلَّ دَوَاؤه، وأنت مَلْجَأُه ورَجَاؤُه وعَوْنُه وشِفَاؤُه، يا مَن غَمَرَ العِبَادَ فضله وعطاؤه، ووَسِعَ البريَّةَ جُودُه ونَعْمَاؤُه، هَا أنا ذَا عَبْدُك مُحْتَاجٌ إلى ما عِنْدِكَ، فقيرٌ انْتَظِرُ جُودَكَ ونِعَمكَ ورِفْدَكَ، مُذْنِبٌ أسْألُ مِنْكَ الغُفْرانَ، جَانٍ خَائِفٌ أطْلُبُ مِنْكَ الصَّفْحَ والأمانْ، مُسيءٌ عَاصٍ فعسى تَوْبَةً تَجْلُو بأنْوارِهَا ظُلُماتِ الإسَاءَةِ والعِصْيان، سَائِلٌ باسِطُ يَدَ الفَاقَةِ الكُلَّيّةِ يَسألُ مِنْكَ الجُودَ والإحْسَان، مَسْجُونٌ مُقّيَّدٌ عسَى يُفَكُّ قَيْدُهُ ويُطْلِقُ مِن سِجْنِ حجابِه إلى فَسيح حَضَراتِ الشُّهُودِ والعيان، جَائِعٌ عارٍ فعسى أن يُطعَمَ مِن ثمَراتِ التَّقْريبِ و يُكْسَى مِن حُلَلِ الأمَانِظمآنٌ، ظمآنٌ، ظمآنْ، تَتَأجَّجُ في أحْشَائِهِ لَهِيبُ النّيرانْ، فعَسى يَبْرُدُ عَنْه نَارُ الكرْبِ ويُسْقَى مِن شَرابِ الحُبَّ و يكرع مِن كاسات القُرْبِ و يَذْهَبُ عَنْهُ البُؤْسُ والآلامُ والأحْزَانْ، ويَنْعَمُ بَعْدَ بُؤْسِهِ و أَلَمِهِ، ويَشْفَى مِن بَعْدِ مَرَضِهِ حِينَ كَانَ مَا كَانْ ناءٍ غريبٌ مُصَابٌ قَدْ بَعُدَ عَنِ الأهْلِ والأوْطانِ، فعسى أَن يَذْهَبَ عَنْهُ صَدَأُ القَلْبِ والشقا، ويَعُودَ لهُ القُرْبُ واللَّقَا ويَبْدُوَ لهُ سَلْعٌ و النَّقَا ويَلُوحَ لَه الأثْلُ والبانُ، ويَنَالَهُ اللُّطْفُ والظُّرفُ ويَحْظَى بجميل التَّرَفِ، وتَحِلَّ عَلْيهِ الرحْمَةُ والرَّضْوانُ والغُفْرانْ .
ياربّ ياربّ ياربّ ارحمْ مَن ضَاقَتْ عليه الأكْوَانْ، ولم يُــؤْنــِسْـهُ الـثَّـقَلانْ، وقد أصْبَحَ مُـولَـعَـاً حَيْرانْ، وأمْسَى غريباً ولو كان بين الأهلِ والأوطان، مُزْعَجَا لا يؤويه مَكانْ، ولا يُلْهِيهِ عَن بَـثَّــهِ وحُـزْنِــهِ تَـغيُّــرُ الأزْمَان، مُـسْتَـوْحِشاً لا يُؤْنِسُ قَلْبَهُ إنْسٌ ولا جَانّ، يا مَن لا يَسْكُنُ قَلْبٌ إلا بقُرْبِهِ وأَنْـوارِه، ولا يَحْيَى عَبْدٌ إلا بلُطْفِهِ واعْتزَازِه، ولا يَبْقَى وجُودٌ إلا بإمْدَادِهِ وإظْهَارِه، يا مَن آنَسَ عِبَادَهُ الأبْرارَ و أولياءَهُ المقرَّبين الأخيَارَ بمُنَاجَاتِهِ و أسْرَارِه، يا مَن أمَاتَ وأحْيَى وأقْصِى وأدْنَى، وأسْعَدَ وأشْقَى، وأضَلَّ وهَدَى، وأفْقَرَ وأغْنَى، وعَافَى وأَبــْلَى، وقَدَّرَ وقَضَى، كَلٌّ بعظيم تَدْبيرِه وسَابِقِ تَقْدِيره.
ربَّ أيُّ بَابٍ يُقْصَدُ غيرُ بَابِك، وأيُّ جَنَابٍ يُتَوَّجَّهُ إليه غَيْرُ جنا بك، أنْتَ العَليم العَظيم الذي لا حَوْلَ ولا قوةَ إلا بكَ، ربّ لِمَنَ أقْصِدُ وأنْتَ المقصُودُ، وإلى مَن أتوجَّهُ وأنت الحَقُّ الموْجُود، ومَن ذا الذي أسْألُ وأنت الربُّ المعْبود، وهَل في الوجود ربٌ سِواكَ فيُدْعَى أمْ في المملكَةِ إلــهٌ غَيْرُكَ فيُرْجَى، أمْ هَلْ كريمٌ غَيْرُكَ فيُطْلَبَ مِنْه العَطَا، أمْ هَلْ ثَمَّ جَوَادٌ سِوَاكَ فيُسْألَ مِنْهَ الفَضْلُ والنعم، أمْ هَلْ حَاكِمٌ غَيْرُكَ فتُرفَعَ إليه الشكوى، أم هَلْ مِن مَجَالٍ للعَبْدِ الفَقيرِ يَعْتَمِدُ عليهِ، أم هَلْ سِواكَ ربُّ تُبْسَطُ الأَكُفُّ وتُرْفَعُ الحاجَاتُ إليه فليس إلا كَرمُكَ وجُودُكَ يا مَن لا مَلْجَأَ مَنه إلا إليه، يا مَن يُجيرُ ولا يُجَارُ عليه، ألْهَـمـْتَـنَــا فَـعَـلِـمْـنا و فَـهَّـمْـتَـنَـا فَـفهِمـْـنَـا وعَــرَّفْـتَــنَــا فـعَــرَفْــنَا، أغَـيْـرُكَ هَـاهُـنَا ربُّ فيـُـرْجَى،جَـوَادٌ فيُــسْأَل مِنْهُ العَطَا، قد جَفَاني القريب ومَلَّني الطبيب وشَمِتَ بِيَ العَدوُّ والرَّقيبُ، واشْتَدَّ بِيَ الكرْبُ والنحيبُ، وأنت الوَدُودُ القريبُ الرءوف المجيد.
ربَّ إلى مَن أَشْتكي وأنت العليم القَادِر، أم بِمَن أسْتَنْصِرُ وأنت الوَليُّ النَّاصِرْ، أمْ بمَن أسْتَغيثُ وأنْتَ القَويُّ القَاهِرْ، أمْ إلى مَن ألــْتَجِئُ و أنت الكريمُ السَّاتِرْ، أمْ مَن ذا الذي يَجْبُرُ كَسْري وأنت للقُلوبِ جَابِرْ، أمْ مَن ذا الذي يَغْفِرُ عَظيمَ ذَنْبت وأنت الرَّحيمُ الغَافِرْ، يا عَالمُ بما في السَّرائرْ، يا مَن هُوَ فَوْقَ عِبَادِه قَاهِرِ، يا مَن هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ والبَاطِنُ والظَّاهِرْ.
ربِّ دُلَّ حَيْرَةَ هذا العَبْدِ المكابِرْ، وجُدْ باللُّطْفِ والهِدايَةِ والتَّوفيقِ والعنايةِ عَلى عَبْدٍ ليس له مِنك بُدٌّ وهُوَ إليك صَائِرْ، يا إلـه العِبَادِ يا كريمٌ يا جَوَاد، يا صَاحِبَ الجُودِ. ويا مَمْرِضي وأنْتَ طبيبي، ويا مُسْقِمي وأنت حَبيبي، فلِمَن أشتكي وأنت عَليمٌ يا إلـهي بعِلَّتي، والذَّي بي حَقيقُ على أن لا أَشْتكي إلا إليْك، ولا عَـزْمَ لي أن لا أتـَوَكَّلُ إلا عَـليـْك، يا مَن بسُلْطانِ قَهْرِهِ وعَظيم رَحْمَتِهِ يَسْتَغيثُ المضطرُّونَ، يا مَن لِوُسْعِ عَطَائِه وجَميلِ فَضْلِهِ ونَعْمائِهِ تُبْسَطُ الأيْدِي ويَسألُ السَّائِلونَ، ربَّ فاجْعَلْني مِمَّن يَتَوكَّلُ عَليْكَ، وآمِنْ خَوْفي إذا وّصَلْتُ إليك، ولا تُخيَّب رَجَائي إذا صِرْتُ بَيْنَ يَديْكَ، واجْعَلْني مِمَّن تَسُوقُهُ الضَّرُورَاتُ إليك، واعْطِني مِن فَضلِكَ العظيم، وجُدْ عَليَّ برِفدِكَ العَمِيم، واجْعَلْني بك ومِنك وإليك واجعلني دَائماً بين يَديكَ .
وارْحَمْ بجُودِكَ عَبْداً مَا لَه سَبَبٌ ... يَرْجُو سِواك ولا عِلْمٌ ولا عَمَلُ
يا مَن بِهِ ثِقَتي يا مَن بِهِ فَرَجي ... يا مَن عَليهِ ذوُوا الفَاقَاتِ يتَّكِلوا
أَدْرِكْ بقيَّةَ مَن ذابَتْ حّشَاشتُهُ ... قَبْل الفَواتِ فقد ضَاقَتْ بِهِ الحِيَل
يا مُفّرَّجَ الكُرُبَاتِ، يا مُجَلــَّي المُهِمَّاتِ والملمَّاتِ العظيماتِ، يا مُجيبَ الدَّعَواتِ، يا غَافِرَ الزَّلاَّتِ، يا سَاتِرَ العَوْراتِ، يا رفيعَ الدَّرَجَاتِ، يا ربَّ الأراضِينَ والسَّماواتِ، ربّ ارْحَمْ مَن ضَاقَتْ بِهِ الحِيَلُ، وتشَابَهَتْ لديهِ السُّبُلُ، ولمْ يَجِدْ لِقَلْبِهِ قَراراً لا عِلْمَ ولا عَمَل، يا مَن عليهِ المُـتَّـكَلْ، يا مَن إذا شَاءَ فَعَلْ، يا مَن لا يُبرِمُهُ سُؤَالُ مَن سَألْ، ربَّ فأجِبْ دُعَائي، واسْمَعْ نِدائي، ولا تُخيَّب رَجَائي، وعَجَّلْ شِفَاءَ دَائي، وعَافِني بجُودِكَ ورَحْمتِكَ مِن عَظِيم بَلائِي، يارب يا مولاي .
ربَِ إني قَلَّ اصْطِبَاري وطَالَ انتِظَاري واشْتَدَّتْ بيَ فَاقَتي واضْطِراري، وعَظُمَتْ علي هُمُومي وأوْزاري وأحْزَاني وأكداري، وتَطَاوِلَ عليَّ سَوَادُ ليْلي وبَعُدَ عَنيّ طلوعُ بَيَاضُ نَهَاري، وأنت القَادِرُ على دَفعِ إعْصَارِي وذَهَابِ آصاري وتَفْريجِ كَرْبي وإصْلاحِ قَــلْبي و إطْهارِ لُبَّي.
ربَِ إني قَدْ لاحَ لي بارِقّةُ مِن سَحَائِبِ رَحْمَتِكَ، فَوَقَفْتُ على بَابِ حَضْرَتِكَ .أنتظِرُ عَوَاطِفَ جُودِكَ ولَطائِفَ رَحْمَتِكَ، وتَعَلَّقَتْ أَطْمَاعِي بعَوَائِدِ إحْسَانِكَ وصَنَائِعِ الفَضْلِ، وانْبَسَطَتْ آمالي في وَاسِعَ كَرَمِكَ وَوَعْدِ ربُوبـيـَّتـِك فَلا تَرُدَّني بِكَرَّةِ الخائِبِ الخَاسِر، ولا تُرْجِعْني بحَسْرَةِ النَّادِمِ حُجِبَ عَن الوُصُولِ وبَقِيَ بين الردَّ والقَبُولِ مُتَرَدَّداً حَائِرْ، يا مَن هُوَ على مَا يشاء قَادِرْ يا قَويُّ يا عَزِيزُ يا نَاصِرْ، ربَّ خُذْ بيَدِي وارْحَمْ قِلَّةَ صَبْرِي و ضَعْفَ جَلَدِي، رَبَّ إني أشكُو إليك بَثيَّ وحُزني وكَمَدِي، يا مَن هُوَ غَوْثي ومَلْجَأَي ومَوْلاي و سَنَدِي.
رَبَِ فأطْلِقْني مِن سجْن الحِجابِ، ومُنَّ عَليَّ بما مَنَنْتَ بِهِ عَلى الأوْلياءِ والأحْبَاب، وطهَّرْ قَلْبي مِن الشّرْكِ والشَّكَّ والارتيابِ، وثـبَّــتْني أبَداً قَائِماً في الحَياةِ وعِنْدَ الممَاتِ على السُّنّةِ والكِتَاب وفّـهَّمْنِي وَعَلَّمْني وذَكَّرْني وَوَفَّقْني واجْعَلْني مِن أُولي الفَهْمِ في الخِطَاب، وكُن لي بلُطْفِكَ وَرَحْمتِكَ وحَنَانِكَ ورأفَتِكَ في مَا بَقِي مِن عُمْرِي وعِنْدَ حُضُورِ أَجَلي و يَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ للحِسَاب، وآمِنْ خَوْفي واجْعَلني مِن الطيَّبين الطَّاهِرين ومِمَّن يُتَلَقَّى بسَلامٍ إذا فُتِحَتْ الأبوابْ.
ربَِ أنْتَ الذي بقُدْرَتِكَ خَلَقْتَني، وبرَحْمتِكَ هَدَيْتَني وبنِعْمَتِكَ رَبَّيْتَني، وبلُطْفِكَ غَذَّيْتَني، وبجميل سَتْرِكَ سَتَرْتَني، وفي أحْسَنِ صُورَةٍ مَا شِئْتَ ركَّبتني، وفي عَوَالِمِ إبداعِكَ أبْدأْتَني، وفي خَير أُمَّةٍ أَخْرَجْتَنيِ، وسَبيلِ النَجْدَيْنِ أَلْهَمْتَنِي، فأتْمِمْ عَليَّ نِعْمَتَكَ التي لا تُحْصَى، وكَمَّل لدي أياديك الَّتِي لا تُنْسَى، واْجْعَلْني مِمَّنْ هَدَى واهْتَدى، وسَمَعَ ووَعَى، وقَرَّبَ وأَدْنَى، ومِمَّن سَبقت له مِنْكَ الحُسْنِى، وممَّن نَال أفْضَل مَا يُـتَمَنَّى، واجْعَلني مِن أهل القُربِ واللَّقَا والرتْبَةِ العُليا في دَارِ البقَا ولا تَجْعَلني مِمَّن ضَلَّ وغوى ولا مِنَّن قُسِمَ لهُ نصيبٌ مِن الشَّقا، ولا مِمَّن اشتَغَلَ بما يَفْنَى ولا مِمَّن ضَلَّ سعْيُهُم في الحيَاةِ الدُّنيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أنّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعَا، ربَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَئٍ رَحْمَةً وعِلْماً، وقد عَلِمْتَ ما كان ومَا يكون مِنَّا، وتَقَدَّسَ عِلمُكَ الأَعْلى وجَرَى القَلمُ بما شِئْتَ مِنَ القَضاء، فليْسَ لنا إلَّا ما إليه وَفَّقْتنا ولا مَفَرَّ لنا إلا عَمَّا بِهِ رَدَدْتَنَا، فَتَداركْنا بفَضْلِكَ ورَحْمتِك، وحُفَّنا بعَفْوِكَ ومَغْفِرَتِك، ربَّ فكما وَسِعْتَ كل ما كان في علمك الأعلى وأحَطْتَ بما كان وما يكون مِنَّي وبكَلَّ شَئٍ حُكْماً وعِلْماً، فجُدْ عليَّ في كلَّ ذلك برَحْمَتِكَ الواسِعَةِ العُظْمَى وأغْمِسْني في بحَارِ كَرَمِكَ وعَفْوِكَ وحِلْمِكَ أبَدَاً، يا مَن وَسِعَ كل شئٍ رَحْمَةً وعِلْماً.
إلــهي طَلَبْتُكَ وطَلَبْتُ الخَلْقَ إليكَ، فأعْنَّي على الوُصُولِ والتَّوصِيل إليك، واجْمَعْني واجْمَعْ بي مَن تَشَاءُ عَليْك، اللَّهُم إنّا نَسْألُكَ حُسْنَ الأدَبِ عِنْدَ إرْخَاءِ الحِجَابِ برحْمتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحمين.
صَلَّى اللهُ على سيَّدنا محمد وعلى آله وصَحْبِهِ أجْمعين سُبْحَانَ ربَّكَ ربَّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وسَلامٌ على المرسَلينَ والحمْدُ للهِ رَبَّ العَالمين