"المجاهد" ... رياض سلامة! ـ عدنان الساحلي

الجمعة 17 شباط , 2023 10:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

دهاء الأميركيين وسذاجة بعض اللبنانيين"، هي آخر شطحات السياسة الأميركية تجاه لبنان، في احتقارها لعقولهم وفي تعاليها عليهم وسوقها لهم ليكونوا خدماً لها بالمجان، أو بأبخس الأثمان.

ولطالما ارتبطت غلبة الشعوب والدول، بل وحتى الأفراد، بحسن الفطن والدهاء، أكثر مما استندت إلى القوة لوحدها، أو لكثرة العدد. ويحفل التاريخ بحكايات لضعفاء خرجوا أقوياء من مواقف صعبة، بفضل الحيلة والدهاء. ويبدو أننا في لبنان وفي بلاد العرب قاطبة، لا نتمتع بهذه الملكة العقلية، لذلك يتحكم بنا شرار الكون وغيلانه، كدول؛ كما يتحكم بنا كشعوب وافراد شرار البلاد وسوقيتها، من فاسدين ولصوص وعملاء، مما جعل حالنا على ما هو عليه، لا يسر صديقاً ولا يغيظ عدواً.

وأبلغ مثال على حالنا، أن دول الإستعمار والهيمنة، خصوصاً بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأميركية ومن يتبعهما من دول غربية وحكام عرباً ومسلمين، عندما وجدوا أن سياساتهم تستهدف الإسلام والمسلمين وتغيظهم وتهينهم في أنفسهم ودينهم، توقعوا أن يكون ردهم بالتطرف والرد بدموية على هيمنتهم واحتقارهم لمشاعرهم، فكان الرد البريطاني بإنشاء تنظيمات وأحزاب "إسلامية" تديرها بريطانيا وتمولها، لتعمل وفق مشيئتها وفي خدمة مصالحها. وهكذا صنع الإنكليز تنظيم "الإخوان المسلمين" في مصر؛ و"الوهابية" في الجزيرة العربية؛ و"القاديانية" في الهند؛ و"الكسروية" و"البهائية" في إيران، إلى أن صنعت أميركا "داعش" و"جبهة النصرة" في المشرق العربي، لتواكبا ما سمي زوراً الربيع العربي، الذي كان ربيعاً عبرياً حصل لخدمة الكيان "الإسرائيلي" الذي يغتصب فلسطين. وكيف لا يكون كذلك ومنسقه العام وقائد "جماهير" ساحاته وخطيبها المفوه، كان الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي، الذي وعد بأن يعّين رئيساً على فرنسا، أو على كيان الإحتلال في فلسطين، إذا نجح في مهمته، التي فشلت وخاب مسعاها في ساحات العراق والشام، بفضل صمود سورية وجيشها وقيادتها والحشد الشعبي العراقي، المدعومين بقوة سواعد ودفق دماء الشباب المضحين، من قوى وتنظيمات محور المقاومة، الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران.

ويأتي في السياق، ما كتب مؤخراً عن المفاوض الفيتنامي "لي دك تو"، الذي تمكن بتمسكه بحقوق بلاده وإخلاصه لمبادئه، من التغلب على دهاء الثعلب الأميركي الصهيوني هنري كيسينغر، خلال مفاوضات إنهاء الحرب في فيتنام. في حين أن حكام لبنان والمفاوضون باسمه لا يجرؤون اليوم على فضح اللعبة الأميركية الجديدة، التي يريد بها الأميركي حماية رجله رياض سلامة، أداته في تخريب الإقتصاد اللبناني؛ وفي إدارة عملية نهب اللبنانيين وإفقارهم وتجويعهم، ليتم إخضاعهم للمشيئة الأميركية- "الإسرائيلية"، القاضية بضم لبنان إلى طابور المتصهينين العرب، الذين إعترفوا بالكيان "الإسرائيلي" اللقيط؛ واقاموا معه علاقات علنية سياسية وتجارية وسياحية، بل ودينية تحت شعار "الإبراهيمية"، بعدما كانت علاقاتهم معه أمنية من تحت الطاولة. مع ما يستتبع ذلك الإنضواء في المحور الصهيو-أميركي، من تقديم كل ما يطمح إليه "الإسرائيلي" على طبق التنازلات والخضوع والتبعية.

هل هناك عاقل يسكت على هذه اللعبة الأميركية الجديدة؟ وبدلأ من أن يحاكم سلامة على جرائمه المالية، فيفضح خلالها اللعبة الأميركية في السيطرة على الإقتصاد اللبناني، عبر أدوات أميركا في الداخل، الذين نهبوا بفسادهم لبنان وأفلسوا خزينته؛ وحموا فساد أصحاب المصارف، الذين تعاونوا معهم للإستيلاء على أموال المودعين وتهريب ما لم يصرفوه منها، على أملاكهم وأولادهم وملذاتهم، إلى الخارج، تحت أعين أميركا ودول الغرب، التي لو لم تكن راعية لهذه الجريمة، لصادرت تلك الأموال وحاكمت أصحابها. بدلأ من ذلك، ها هو الخبث الأميركي يعمل على رمي جريمته في حضن غيره، ليصبح رياض سلامة "مجاهداً" يتعاون مع المقاومة في لبنان، في كذبة لا يتجرأ أكثر أبواق أميركا وقاحة في لبنان على تبنيها. فسلامة عينته أميركا حاكماً للمال في لبنان، بواسطة الراحل رفيق الحريري، الذي ستؤكد الأيام أنه قتل على أيدي الأميركان والصهاينة وأتباعهم، بعدما فشل في تخليصهم من المقاومة ومن دورها الذي عطل مؤامراتهم في لبنان والمنطقة. والأمر نفسه كاد يحصل مع وريث الحريري السياسي، إبنه سعد، الذي كاد يكون ضحية حاكم السعودية، لأنه رفض، أو عجز، عن إشعال فتنة بين المسلمين في لبنان، تكون المقاومة وجمهورها حطبها، بما يخدم بقاء واستمرارية الكيان الصهيوني.

هل يصدق ساذج، أن أميركا تريد محاكمة رياض سلامة بتهمة التعامل مع "حزب الله". في حين أنه عمل كالسوسة على نخر المجتمع اللبناني لجعله ينهار أمام الحصار الأميركي والضغط الصهيوني والتآمر العربي المتصهين؟


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل