الثبات - مقالات
جدد حياتك
سموم القلق
الشيخ محمد غزالي
الخبراء بحياة الغرب يَشكون من مرارة الكفاح الدائر في أرجائه للحصول على المال والمكاثرة به، فالأفراد والجماعات منطلقون في سباق رهيب لإحراز أكبر حظّ مستطاع من حُطام الدنيا، وقواهم البدنية والنفسية تدور كالآلة الدائبة وراء هذه الغاية، وقد احتشدت فيها جميع الخصائص الإنسانية الدنيا والعليا، إلَّا أنَّ الآلات قد يَقْطُر عليها من الزيت ما يرطِّب حدّة الاحتكاك في حركتها، يمنع شرور المتولِّد من إحراقها، أمَّا أعصاب الناس في عِراك المادة الرهيب فكثيراً ما تفقد هذا العنصر الملطِّف، وتمضي مُستثارةً يستبدُّ بها القلقً والضيق حتى تشتعل فتأتى على الأخضر واليابس.
ويقرر الأطباء أنَّ واحداً من كل عشرين أمريكيّاً سوف يقضي جانباً من حياته في مَصَح للأمراض العقلية، ومن الحقائق المريرة أنَّ واحداً من كل ستة شبَّان تقدَّموا للالتحاق بالخدمة العسكرية في خلال الحرب العالمية الأخيرة رًدّ على أعقابه، لأنَّه يعاني مرضاً جسيماً أو نقصاً عقلياً.
ويقول الدكتور "و.س.الفاريز": (اتَّضح أنَّ أربعة من كل مرضى ليس لعلتهم أساس عضوي البتَّة، بل مرضهم ناشئ عن الخوف والقلق والبغضاء والأَثرة المستحكمة، وعجز الشخص عن الملاءمة بين نفسه والحياة).
على ضوء هذه الصيحات المحزونة نحب أن نذكر بعض أحاديث النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذم التكالب والترهيب من عقباه، قال: "مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ".
وما أجمل قول ابن الرومي:
قرّبَ الحِرْصُ مركباً لشقيّ ... إنما الحرصُ مركبُ الأشقياءِ
مرحباً بالكفافِ يأتي هنيئاً ... وعلى المُتعِبات ذيلُ العفاءِ
ضَلةً لامرئٍ يُشمِّرُ في الجمـ ... ـع لعيش مُشَمِّرٍ للفناءِ
دائباً يكنز القناطير للوا ... رِث والعُمرُ دائباً لانقضاءِ
حبذا كثرةُ القناطير لو كا ... نت لربِّ الكنوزِ كنزَ بقاءِ
يَغْتدي يَرْحم الأسيرُ أسيراً ... جاهلاً أنه من الأُسَراءِ
لا إلى الله يذهب الحائرُ البا ... ئرُ جهلاً ولا إلى السراءِ
يَحسَبُ الحظَّ كله في يديه ... وهو منه على مدى الجَوزاءِ
ليس في آجلِ النَّعيم له حظ ... ظٌ وما ذاقَ عاجلَ النَّعماءِ
ذلك الخائبُ الشقي وإن كا ... ن يُرى أنّهُ من السُّعداءِ