أقلام الثبات
منذ منتصف القرن الماضي، تعيش "اسرائيل" فائض قوة يجعلها تحاول السيطرة والهيمنة على جيرانها، وتمارس البطش والقتل مع الفلسطينيين من دون رادع ولا قانون ولا عدالة. وكانت تتكل في قوتها وبطشها على ما يأتي:
أ- جيش قوي وسريع الحركة، مدعم بأحدث التكنولوجيا العسكرية التي ترفدها بها الدول الغربية، ثم صار الاستثمار في التكنولوجيا العسكرية محلياً.
ب- قدرة للجيش على السيطرة الكاملة في مجال القوة الجوية وفي مجال المدرعات وكثافة النيران والسيطرة عليها في الميدان.
ت- التفوق العسكري على الجيوش العربية، من النواحي التقنية واللوجستية، فهي لم تدخل حرباً منذ العام 1948 إلا وانتصرت فيها، وفي بعض الاحيان كان النصر سريعاً وبساعات معدودة، كما حصل في حزيران 1967 حين انتصرت على ثلاثة من الجيوش العربية بستة أيام، أو الأصح انها حسمت المعركة خلال الساعات الست الاولى.
ث- إحتكارها السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط مما يؤمن لها عنصر الردع الاستراتيجي الحاسم والمطلق.
ج- إحتكار الدعم الأميركي والغربي السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي.
لكن، هذا بدأ بالتحوّل والتغيّر مع الانتفاضات الفلسطينية في الداخل، ثم في انتصار لبنان في أيار 2000، ثم حرب تموز 2006، وبعدها صمود الفلسطينيين في قطاع غزة ونهوض وتمرد في المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، بعدما استبيحت أرواحهم وأراضيهم وأرزاقهم وبيوتهم.
واليوم، يأتي التحذير من حرب أهلية داخلية، بعدما فقد المسؤولون الاسرائيليون القدرة على استخدام سياسة الهروب الى الامام التي كانوا يستخدمونها، فلطالما عمد المسؤولون "الاسرائيليون" الى الذهاب الى حرب كلما لاحت بوادر انقسام في الداخل أو كلما احتاجوا الى شدّ عصب الناخبين لربح الانتخابات، لكن عدم القدرة على الانتصار في الحروب وكلفتها الكبيرة والردع مع لبنان، جعل العوامل الداخلية تعود لتطفو على السطح مجدداً، وفيها:
- انقسام داخلي سياسي، وصعود القوة اليمينية المتطرفة التي تستخدم الدين والتعصب لإلغاء كل صوت معارض، وللتدخل بالقضاء وللقضاء على المؤسسات.
- قلق وجودي يعيشه الشعب الذي يحاول الكثير منه الحصول على الجنسية الأجنبية، حرصاً على مستقبل أطفالهم، خوفاً من انهيار الدولة في عقدها الثامن، ويحرصون على الهروب قبل وقوع الكارثة، كما يقولون.
- طموح المتدينين المتطرّفين في السيطرة على كل مؤسسات الدولة، وصولاً إلى السيطرة على عملية صناعة القرار بشكل كامل، ومحاباة العديد من السياسيين لهم طمعاً بالسلطة، ما يستتبع رفضاً من قبل شرائح واسعة من المجتمع التي تتخوف من هذا الاحتمال. وهذا الطموح توسع لمحاولة السيطرة على الجيش الذي يُظهر مزيداً من التطرف اليميني بين أفراده.
- يضاف الى ما سبق، التوجه نحو حمل السلاح لدى المستوطنين بحجة الحفاظ على أمنهم من هجمات الفلسطينيين ما يستتبع قلقاً إضافياً للقوى العلمانية واليسارية ودعاة السلام في الداخل.
- ولعل ما يؤشر الى حدّة الازمة الداخلية المتفاقمة هي الرسالة التي وجهها الرئيس "الإسرائيلي" إسحاق هرتسوغ الى الجمهور، حذّر فيها من صدام داخلي وحرب أهلية معتبراً أن "برميل البارود يكار ينفجر وان البلد على حافة حرب أهلية" وان "اسرائيل" اقتربت جداً من الصدام وحتى الصدام العنيف".
كل ما سبق، يشير الى احتمال كبير جداً أن تدخل "اسرائيل" مرحلة اللااستقرار الداخلي الذي من الممكن أن يؤثر على كل التطورات الاقليمية في منطقة الشرق الأوسط. فكيف ستتصرف القوى الاقليمية والدولية مع احتمال اندلاع حرب داخلية في "اسرائيل" ودخولها مرحلة عدم اليقين الوجودي؟