الثبات - مقالات
ميزات وخصائص أولي الألباب
العلامة الحبيب عمر ابن حفيظ
الحمد لله مُكَوِّن الأكوان، والمُخصِّصِ مِن بينها نوعَ الإنسان بِخصائِص لإبرازِها وإظهارِها وإدراكِ غاياتٍ منها جعلَ قيامها الجمع الذي يجمع فيهِ الأوَّلين والآخرين، يجتمع المُكلّفون وغيرُ المُكلّفين من الملائكة من الحيوانات (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).
ويجب أن يعرف ويجب أن يُدرك كل إنسان كَرَم الله عليه بأن خلقهُ إنسان، وأن أرسل إليهِ أكرم إنسان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، بل خلاصة الجوهر الإنساني ومستودع سرِّ العلم الفُرقاني، وفاتح باب الاتِّصال الرّوحاني بالمقام العِياني، حياةِ روحِ الوجودِ الخلقيِّ وسرِّ معنى الشهودِ الحقِّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولواءُ الحمدِ بِيدِه ولا يدخل الجنة إلا من استظلَّ بلوائهِ، ولا ينظُر إليها إلا من نظر إلى طلعته الغرّاء ووجهه البهيِّ الأزهر صلى الله عليه وسلم، اللهم أَرِنا إياه وأدخِلنا معه الجنة فإنه أول من يدخلها، وأنزلنا معه في قصورِها فإنه أول من ينزلها.
إذا عرفنا هذا وهو مُقدِّمة مِن حقائق الحكمة في خلقِ الكائنات وخلق الإنسان على وجه الخصوص.. فيجِب أن نُدرِك أن الإنسان أكبر وأعلى مِن أن يكون مُتصارع مع أخيهِ الإنسان على ظهر الأرض ثُمّ يفنى هذا وهذا، الإنسان أكبر وأجل من أن يكون عبد سُلطة أو جاه في الأرض، الإنسان إذا صَلُح فجاهاته ما أقول في الأرض والسماء بل أقول عند ربِّ الارض والسماء، هذه الوجاهات.. هذه المكانة العُظمى اللائقة.
قل للمحصورين في الأرض، قل للمحصورين في المادِّيّات ما عرفتم قدرَ إنسانيتكم، ما عرفتم قدر خلقكم وإيجادكم، وأضعتُمُ الجواهِر الغالية وراء هذه التفاهات ووراء هذه الحقيرات التي ما أسرع ما تزول عنكم وتزولونَ عنها، أنتم أكبر من هذا إذا فقِهتم.. إذا سمعتم نداء الحق الذي أرسلَ به أنبيائه وختمهم بخيرِ الخلق صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وأولو الألباب من نماذِج أفكارهم المصبوبة في قوالِب الدعاء في القرآن الكريم (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)، شف أوصافهم (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ) اللهم اجعلنا منهم.. ذِكر وفوقه فِكر، حُسن استعمال القُوى العقلية والذِّهنية والروحية والإدراكية التي يُعطيها الله الإنسان، ويتفكّرون ويُحسِنون استعمال هذه القُوَى يعثرون منها على الجواهر الكبرى.
(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) هذه أفكارهم، هذه أفكار أولي الألباب، هذه تصورات، هذه ثقافتهم، الخِزي لِمَن دخل النار، المَخزي من دخل النار، المُهان من دخل النار.
كلُّكم ألِحّوا عليه واسألوه واطلبوه، وقولوا يا الله يا الله، نظرة لنا وأهلينا وأولادنا وأصحابنا وأحبابنا وذوي الحقوق علينا.
نظرة تُزيلُ العنا ** عنّا وتُدني المُنى ** مِنّا وكُلّ الهنا ** نعطاهُ في كل حين
بجاهِ طه الرّسول جُد ربنا بالقبول ** وهب لنا كل سول ** ربِّ استجب لي آمين
عطاك ربي جزيل ** وكلُّ فعلك جميل ** وفيك أملنا طويل ** فَجُد على الطامعين
يا رب ضاق الخناق ** من فعل ما لا يُطاق ** فامنن بِفَكِّ الغلاق ** لمن بذنبه رهين
واغفِر لكل الذُّنوب ** واستُر لكل العُيوب ** واكشِف لكُل الكروب ** واكفي أذى المؤذبين
واختِم بأحسن خِتام ** إذا دنى الانصِرام ** وحان حينُ الحِمام ** وزاد رشحُ الجبين