أقلام الثبات
47 دولة أعلنت التضامن الفوري مع تركيا، واستعدادها لتقديم المساعدات الفورية، سواء عبر المواد العينية والإمدادات التقنية، أو عبر إرسال فرق متخصصة في الإنقاذ، فيما اكتفت دولتان فقط هما العراق وإيران بالإعلان عن إرسال مساعدات الى سوريه جواً، وكل هذه الدول، سواء تضامنت مع تركيا أو مع سوريا، تؤدي مشكورةً الواجبات السماوية والإنسانية والأخلاقية.
نُسلِّم بمشيئة الله، ونستسلم للقضاء والقدر، لكن هذا الزلزال المُريع بكل تداعياته، لم تتوقف كوارثه عند آلاف الأرواح التي أزهِقت تحت أنقاض آلاف المباني المُنهارة، بل عند قضية الجرحى والمُشردين المذعورين من الهزات الارتدادية التي قاربت المئتين، وافترشت العائلات بنسائها وعجائزها وأطفالها الساحات والغابات البعيدة عن المباني، وكل ما تملك فعله، أن تجمع بعضاً من حطب تقيها ناره من صقيعٍ ثلجي درجاته تحت الصفر في العراء، على مرأى من أمم متحدة ومنظمات دولية من ضمنها جامعة الدول العربية!
الضحايا أرواح، والأحياء هناك مشاريع ضحايا، ترافقهم الهزات الارتدادية وسوف تلاحقهم لأسابيع قادمة، سواء كانوا في تركيا أو سوريه، مع اختلال قدرات المواجهة الذاتية في كلا البلدين لصالح تركيا ولكن، إذا كانت لتركيا القوة السياسية والدبلوماسية التي ترجمتها اتصالات دعمٍ ومساعدة، فليس أمام المنكوبين في سوريه سوى انتظار هطول الرحمة عليهم، إن لم يكن من الأمم المتحدة والدول القادرة، فأقل الإيمان من الدول العربية التي تُضيف الى تاريخها عند كل استحقاق وصمةً من صفحات العار.
غريبٌ أن نطلب من أميركا خلع ثوب الرحمة ونزع كابوس "قانون قيصر" عن سوريه ورفع الحصار عنها فور وقوع الزلزال، إفساحاً في المجال لمزيد من الدول لإرسال ما يتم إرساله الى تركيا، لكن الأغرب، أن أدوات أميركا من العرب لم يمتشقوا سيوف الكرامة والأخلاق الآدمية ويكونون هم دون سواهم "الإسعافات الأولية" لكائنات تحت الركام، ولعائلات لا تملك بطانية وكسرة خبز وضمادة جروح وحبة دواء وليس لديها تحت السماء سواء العراء!
كل ما اجترَّه بعض الإعلام العربي خلال الساعات الأولى من الكارثة، هو ذكر المناطق السورية المنكوبة غير الخاضعة للنظام وتلك الخاضعة له، علماً بأن الدفاع المدني السوري يعمل على امتداد الخارطة السورية طيلة اثني عشر عاماً من الحرب، ويتعامل مع كافة الأطراف على الأرض ضمن مهامه الإنقاذية دون تفرقة، فأين طائرات مساعدات العرب، لا بل أين قوافل الإمداد البرِّي لسوريه عبر العراق والأردن تنقل فرق الإسعاف والطواقم الطبية والمستشفيات الميدانية، عساكم تُقفلون بها يا عرب صفحة الحصار المجرم من "قيصر الأميركي" على سوريا قبل انقضاء مهلة 72 ساعة من حدوث الزلزال، خصوصا أن مجموعة من الأطباء العرب العاملين في أميركا، أبدوا استعدادهم للتوجه الى شمال سوريا، لكن عائق التدابير الناتجة عن العقوبات يمنعهم من ذلك، كما صرَّح أحدهم من ولاية ميشيغن لقناة الجزيرة مساء يوم الإثنين.
نعم، 72 ساعة من توقيت حصول الزلزال، وبعدها لا أمل بالعثور على أحياء تحت الركام كما أفاد أحد خبراء الإنقاذ من الكوارث، و72 ساعة على أطفال وعجزة وسط صقيع الثلوج لا يجدون ما يلتحفونه سوى الخواء، لكن 72 ساعة أيضاً، تختصر تاريخ 72 سنة من الجُبن العربي في فلسطين، وليست كافية لاستنهاض رؤوس النعام من رمالٍ دفنوا فيها العقل والضمير.
72 ساعة غير كافية لحصول إنقلابٍ في بلاد العرب، لأن قاذفاتهم التي تمطِر اليمن بالحمم، وطائراتهم التي تسوح بين عواصمهم ومطار بن غوريون، لن تتحوَّل الى طيور حمام تحمل السلام، وتحمل الأمل والرحمة والمحبة الى الأرواح الراقدة تحت الركام في سوريا، لكن أمَّةً جعلت بعض أنظمتها رهينة "قيصر الأميركي" وكل قياصرة العالم، لها لعنة كل أمّ نام أطفالها بين أحضانها الى الأبد تحت ركام زلزال سوريا على مرأى من بقايا أمَّة...