أقلام الثبات
ماذا بعد هجوم أصفهان الخطير والعلنيّ هذه المرّة؟ وهل قرّرت واشنطن وتل ابيب الذّهاب نحو مواجهة مباشرة مع ايران، على وقع مؤشرات هزيمة اميركيّة بدأت تظهر معالمها امام روسيا في الصّراع المتواصل على المسرح الأوكرانيّ؟ وهل على المنطقة "شدّ الأحزمة" ترقُّبا لتصعيد كبير مرتقب حُسم قراره في الأروقة الأميركية-"الإسرائيليّة"؟
ما إن اختُتمت المناورة الأميركية-"الإسرائيليّة" الضخمة يوم الجمعة الماضي، حتى دوّى هجوم خرق ليل السبت بمسيّرات هجوميّة على منشأة عسكريّة في مدينة اصفهان الأيرانية، في وقت كانت تل ابيب تلمّ تداعيات ضربة القدس القاسية التي سدّدها المقاوم الفلسطيني الشهيد خيري علقم التي افضت الى مصرع 8 قتلى "اسرائيليين" بحصيلة اوّليّة.. فتح هجوم أصفهان الباب واسعا امام احتمال تصعيد خطير في المنطقة سيّما انه جاء تزامنا مع "تعليمة" إعلاء منسوب الحصار والضغط على لبنان الى الحدّ الأقصى في وجه حزب الله، وسط تسريبات صحفيّة ألمحت الى تجّهّز الحزب للرد على احتمال توجيه ضربة "اسرائيليّة" مباغتة قد تطال "هدفا ما" في جوار العاصمة.
وفي حين نفى البنتاغون ضلوع الولايات المتحدة في هجوم اصفهان، بدت اصابع الاتهام موجّهة الى طرف اخر متورّط في الهجوم الى جانب تل ابيب، خصوصا بعد تغريدة مستسار الرئيس الاوكراني التي المح فيها ضمنا الى مشاركة كييف في العملية ردّا على مزاعم دخول المسيّرات الايرانية على خطّ الحرب الاوكرانية الى جانب روسيا.. وفيما اجمعت المعلومات والتقارير الغربية وحتى في داخل الكيان "الاسرائيلي"-خصوصا تلميح رئيس الموساد الاسبق، على انّ "اسرائيل" هي من نفّذت هجوم اصفهان، لفتت تسريبات استخبارية اميركية الى مشاركة واشنطن في العملية سيّما وانّ رئيس وكالة الاستخبارات( سي آي اي) وليام بيرنز، حطّ في "اسرائيل" قبل الهجوم مباشرة.
هجومٌ علنيّ مباشر لربما كان متوقعا ربطا بالازمة الداخليّة الخطيرة وغير المسبوقة التي تعصف بالكيان وباتت تتهدّده جديّا بحرب اهليّة لا محالة، وكان لا بدّ من هروب بنيامين نتنياهو ومجموعة اليمينيّين المتطرّفين التي غذّى بها حكومته الى الامام، لتصدير الازمة الداخلية الى الخارج، خصوصا مع اطلاق مناورة عسكرية مشتركة مع واشنطن هي الأضخم والتي بدت واضحة الوجهة في رسائلها..صوب ايران..
فماذا بعد هجوم اصفهان؟ وكيف واين ستردّ ايران على هذا الهجوم؟ هو الهاجس الأكبر الذي يقضّ مضاجع المسؤولين والقادة "الاسرائيليين" على مدار الساعة وهو ما يفسّره رفع حال الاستنفار والتأهّب الى الحدود القصوى ترقُّبا للإنتقام الايراني. فتل ابيب-كما واشنطن تدركان جيدا حجم الضربات القاسية التي سدّدتها طهران في شِباكيهما بعيدا عن الاعلام في سياق "المعركة بين الحروب"، وحيث تمثّل احداها بتفجير مصنع "تومر" لإنتاج الصواريخ قرب القدس في نيسان عام 2021 والذي دفع الرقابة العسكرية الى التدخل السريع على جري العادة .. حينها تلقّفت "اسرائيل" الرسالة الايرانيّة، وكاد العنوان الرئيسي ان يكون جامعا في وسائل الاعلام العبرية:" ايران تحتفل وتلمّح الى ضربة مقابل ضربة".
امّا واشنطن فخبرت بدورها حجم الانتقام الايراني- والذي لم ينته الى الان، على عمليّة اغتيال اللواء قاسم سليماني، والذي تجاوز بقساوته قصف قاعدة عين الاسد بالصواريخ الباليستية.. حين تمّ إسقاط طائرة (اي 11 اي) العسكريّة المتطوّرة بصاروخ " نَوعي" في ولاية غزنة الافغانيّة بُعَيد ايام قليلة على عمليّة الاغتيال، وأطاحت بمايكل دي اندريا، رئيس عمليّات الاستخبارات الاميركية في العراق، ايران وافغانستان- المخطِّط للعملية، اضافة الى مجموعة كاملة من كبار الضباط الاميركيين..لم تعلن ايران بالطبع مسؤوليتها عن العملية، الا انّ التلفزيون الايراني الذي آثر حينها الاعلان رسميا عن مقتل " قاتل سليماني"، مضيفا انّ دي اندريا "هو من اشرف ايضا على التخطيط لاغتيال الشهيد عماد مغنية عام 2008 في سورية"، بدا وكأنه غمزٌ من قناة الثّأر لاغتيال الشهيدَين معا.
اما وأنّ العملية النّوعية تندرج في اطار "المعركة بين الحروب"، فسبق لقائد القوات البحريّة في الحرس الثوري الايراني علي رضا تنكسيري ان المح الى تنفيذ 6 عمليّات ضدّ سفن وبوارج اميركية في الخليج دون تحديد تواريخها، وأقرّ حينها باستشهاد 9 جنود ايرانيين خلال هذه العمليات، مقابل مقتل 50 ضابطا وجنديّا اميركيا.. مكتفيا بالقول" الأميركيون يعرفون تماما عمّاذا أتكلّم".
يبقى السؤال الكبير وتفرعّاته" هل قرّرت تل ابيب نقل "المعركة بين الحروب" الى مواجهة مباشرة مع ايران؟ وماذا عن حلفائها؟ وهل تؤشر عملية اصفهان الى تصعيد كبير مرتقب في المنطقة؟ سيّما انها نُفّذت تزامنا مع إعلاء منسوب الضغط الاميركي على لبنان الى حدّ غير مسبوق..
فبين ظهور المحقّق العدلي بقضيّة انفجار مرفأ بيروت –المدعوم اميركيا-طارق البيطار بشكل مفاجئ بعد انكفاء طويل تجاوز العام رغم كفّ يده عن التحقيق، ليستأنف تحقيقاته ويدّعي على شخصيات سياسية وامنية بينها اللواء عباس ابراهيم مع "تحريك" الدولار صعودا الى حدّ جنونيّ تجاوز ال 60 الفا وانعكس سريعا فوضى في الشارع اللبناني تراقت مع عودة ظاهرة قطع الطرقات بين المناطق.. بدا بشكل واضح انّ" تعليمة" اميركية وصلت الى من يعنيهم الامر من رؤوس "الكارتيلات" الدائرة في الفلك الاميركي، بإعلاء منسوب الضغط المعيشي الداخلي للوصول الى الفوضى العارمة التي "بشّرت" بها واشنطن على لسان مساعدة وزير خارجيتها لشؤون الشرق الادنى باربرا ليف يوم 4 تشرين الثاني الماضي.. وبالطبع الهدف هو حزبُ الله!
ليف التي لم تجد حرجا حينها من التعبير عن "عدم الانزعاج الاميركي" من انهيار لبنان" طالما انّ هذا الانهيار سيحرّره من " الّلعنة" التي يمثّلها حزبُ الله –وفق تعبيرها، وحيث لوّحت ايضا ب" سيناريوهات كارثيّة" مرتقبة قائلة" قد يفقد الجيش والقوى الامنيّة السيطرة على الارض"!
وكما بات معروفا، تبادر واشنطن الى "تحريك" ورقة تنظيم "داعش" الدّموي عندما تعتزم "ضرب" اي بقعة جغرافية تعادي مخططاتها وتحديدا "اسرائيل".. مخطّط ارهابي خطير كانت احدى خلايا التنظيم بصدد تنفيذه في لبنان، احبطه جهاز الامن العام-وفق ما كشفت صحيفة "الأخبار"، والتي اوضحت انّ المخطّط كان يتضمّن تفجير مستشفى الرسول الاعظم وحسينيّة بمسيّرة مفخّخة، وهجوما على كنيسة وأهدافا في منطقة جبل محسن.
لربما تلقّف حزبُ الله خيوط "سيناريو ما" اسرائيلي تجاه لبنان، دفعه الى افتتاح العام الجديد بتوجيه رسالة تحذيريّة مدوّية صوب "اسرائيل"، عبر نشر اعلامه الحربيّ فيديو حمل عنوان "قسما قادرون.. سنعبر"..ويُظهر عمليّة اقتحام الجدار الفاصل بين القرى الجنوبيّة وفلسطين المحتلّة، وبيّن فيه انّ البداية ستكون من الحدود الشماليّة، والنهاية عند شواطىء بحر فلسطين!
فهل يكون التصعيد عنوان المرحلة؟ سيّما بعدما نقلت مواقع اخبارية لبنانية عن لسان الامين العام للحزب السيّد حسن نصرالله متوجّها الى "التعبويّين الجُدد": "انّ المنطقة والعالم ذاهبان الى مخاض، ويجب ان نكون جاهزين ومؤهّلين عسكريا وامنيّا"..
وفيما تترقّب "اسرائيل" الثأر الايراني على هجوم اصفهان وسط حال الاستنفار عالي المستوى على حدودها مع سورية ولبنان مع اوامر تشديد الاجراءات الأمنية حول سفاراتها في الخارج.. نقل مصدر صحافي فرنسي عن الصحافي رونين بيرغمان-المعروف بصلاته الوثيقة بأجهزة الاستخبارات "الاسرائيلية"، ترقّب تلك الاجهزة ل"ضربة مدوّية" بوجه "اسرائيل" بأيدي شبّان فلسطينين قد تتجاوز هذه المرّة "قساوة" عملية القدس وما سبقها..محذّرا بشدة من مغبّة شنّ غارات صاروخية على سورية في هذه المرحلة.."لربما باتت المفاجأة التي تخشاها اسرائيل اقرب من ايّ وقت مضى"!