أقلام الثبات
تحول الكيان الغاصب المؤقت على أرض فلسطين في الأيام الأخيرة على ضوء عمليتي القدس بالغتي الجرأة والتصميم الى ثكنات عسكرية وأمنية ثابتة ومتنقلة, وهي الحقيقة البائنة بأن إنشاء الكيان لم يكن الهدف الاستراتيجي منه إلّا أن يكون ثكنة عسكرية أمنية, ولأهداف استعمارية بحتة, يتجمع فيها القتلة على أنواعهم واللصوص والمجرمون من الغرب والشرق تحت حكم زمرة تتلبس السياسة كضرورة محلية ودولية.
من المرجح أن قادة الاحتلال ثقبت أدمغتهم من الضربات المتتالية التي ينبري الشباب والصبية الفلسطينيون لتنفيذها في وضح النهار, ولعل الرسائل المتلاحقة والاشتباك اليومي منذ عملية عدي التميمي إلى عملية خيري علقم, تثبت الإيقاع الجديد لرجال الشمس في بناء هوية ثورة شعبية راسخة جذورها.
كأن خيري علقم أراد أن يطمئن عدي التميمي, بأن أتيتك محلقا بروحي, لأبلغك أن شعبك كما عهدته وراهنت وأوصيت بأنه محكوم بالنصر والتحرير, وأن الإرادة بالإتكال على الله بتطبيق التاريخ والأخلاق والانتماء والإنسانية، وقيمها تشتد صلابتها لتسقى الفولاذ, وأن "إسرائيل" محكومة بالهزيمة والزوال, وما أحمله إليك من القدس ليس مجرد قدر, أو أمل, أنه اليقين بحتمية النصر لا مناص في التاريخ والسياسة والأخلاق.
لقد كانت رصاصات الخير من خيري علقم تؤذن بنهاية حقبة المفاوضات الرثة التي اصطدم بكذبها حتى المهرولين، ورافضي الاتيان على مصطلح الكفاح المسلح, وحاولوا شيطنته, وأن لا فائدة ترتجى منه, فتبين لهم انه الوحيد المفيد, والغث يتجمع في المفاوضات مع الكيان, وراعيتها الولايات المتحدة الأميركية.
اعتبر قادة الاحتلال بغض النظر عمن في سدة الحكومة أكان اليمين أو اليسار وجميعهم متطرفون, ويتبادلون السلطة, فهم يتنافسون على القتل والترويع والتشريد والهدم والاقتلاع والاستيطان, بتكتيكات مختلفة, اعتبروا أن الفرصة باتت سانحة اكثر لارتكاب المجازر, كما حصل في جنين, سيما أن "الابراهيميات" الزاحفة على بطونها كافية لتغطية جرائم التماسيح التي تشبههم, ببيانات تدعو الى التهدئة وضرورة العودة إلى لمفاوضات, بينما تدين العمليات الفلسطينية التي تراكم بأسا على طريق التحرير.
من المفيد جداً أن تحول السلطة الفلسطينية إعلان وقف التنسيق الأمني إلى واقع حقيقي يريده الشعب الفلسطيني بغالبيته, سيما أن السلطة تحصد الملامة, إن لم يكن أكثر على مفاوضات عقيمة, وبقيت تراهن عليها من دون أن تحصل أي نتيجة منذ اتفاق أوسلو حتى اليوم, وإنما استفاد الكيان من وضع السلطة بمواجهة شعبها وابتزاز السلطة تارة باقتطاع الأموال الحقة, وطوراً بانها ليست شريكا للمفاوضات, وعليها دائماً تقديم أوراق اعتماد حتى المذلة منها.
لم يكن من باب الصدفة, أن تقوم قوات الاحتلال, بارتكاب مجزرة في جنين يذهب ضحيتها عشرة فلسطينيين والعديد من الجرحى, وإنما جاء العدوان على المخيم بعد ساعات من زيارة خاطفة لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى الأردن ولقاء الملك عبدالله ليقول له أن لا تغيير في وضع القدس, وأنه لا يريد التصعيد, بينما كان المستوطنون ولا زالوا كل يوم يعتدون على حرمات الأقصى بحراسة جيش الانحلال الأخلاقي وشرطة بن غفير.
لقد أضاءت عملية خيري علقم, كما عملية عدي التميمي، على تكتيك هام استخلص أهميته الشباب الفلسطيني من التجارب السابقة من العمل المقاوم بحيث يكون الأثر الأروع في صفوف الشعب وشحذ هممه من خلال العمليات الفردية, ويكون التأثير على العدو والمستوطنين كابوساً له تداعيات على كل المستويات لا سيما في هتك المنظومة الأمنية والعسكرية وكذلك السياسية والاجتماعية يبدو أن الشباب الفلسطيني الناشئ وضع نصب عينيه النشيد الرائع مع انطلاقة الثورة الفلسطينية "طالعلك يا عدوي طالع, من كل بيت وحرة وشارع ", وهو ما تؤشر اليه الغارات اليومية على مواقع الاحتلال, إضافة الى التصدي لأي عملية, أو مداهمة إسرائيلية, ويؤكد ذلك اعتراف العدو أن سنة 2022 سجلت أعلى نسبة من الهجمات الفلسطينية ووصلت الى ما يقارب الفي عملية بغض النظر عن النتائج, والأهم أن الصدام يتنامى وهي زيادة تبدو مرشحة للارتفاع, مع الزخم بأنماط أخرى إبداعية حيث الحاجة تحدث تحولات أوسع في الحالة الفلسطينية، تبدو من ملامحها أنها عميقة يظهرها الشباب الفلسطيني بحيث يحولون حياة جنود الاحتلال ومستوطنيه الى جحيم, وهذا الجحيم الآتي حتماً سيجعلهم مضطرين الى الفرار منه, والواقع يقول استناداً إلى أحدث دراسية: "أن هجرة اليهود من إسرائيل إلى دول أخرى تتزايد, بينما اليهود الذين تم استيرادهم عبر الوكالة اليهودية من اسيا وافريقيا ينظرون إلى "إسرائيل" أنها مجرد محطة في الطريق إلى رحلتهم إلى الولايات المتحدة أو أوروبا".