أقلام الثبات
يعاني لبنان، كما العديد من دول العالم الثالث، من تدخلات شتى في شؤونه، ومحاولة بسط النفوذ والسيطرة على قراراته في الشؤون الخارجية وأحياناً كثيرة في شؤونه الداخلية. وبالطبع، إن موقع لبنان الجغرافي في منطقة الشرق الأوسط، وقيام "اسرائيل" بقربه، ساهم في تعريضه الى شتى أنواع التدخلات والحروب والفوضى وغيرها من الازمات التي لا تنتهي. واليوم، العالم ينتظر حصول تغييرات كبرى في النظام العالمي بعد انتهاء الحرب الأوكرانية وما سيرافقها من تطورات عسكرية واقتصادية وسياسية، أين سيجد لبنان نفسه في ذلك الصراع؟
بداية، من المهم الاشارة الى أن الدول التي تسعى للهيمنة وبسط نفوذها على الاخرين، سواء كانت دولة إقليمية أو عالمية، يجب أن تتمتع بميزتين: القدرة، والإرادة. بمعنى أن قدرة دولة ما على السيطرة والنفوذ لا يعني بالضرورة أنها راغبة وستندفع الى السيطرة على الآخرين، والعكس صحيح، فإن رغبة دولة بالهيمنة والسيطرة ترتبط بمدى مقدرتها على ذلك. هناك 3 قوى عالمية أساسية تسعى لموطئ قدم ونفوذ في الشرق الأوسط: الصين وروسيا والولايات المتحدة.
1- بالنسبة للصين: بشكل عام، تتبع الصين استراتيجية "حسابية" في التعامل مع الدول تعتمد على: الجدوى، الاستقرار السياسي، الاستقرار الأمني. وبما أن لبنان لا يتمتع بالاستقرار السياسي، ومسيطر على قراره من قبل الولايات المتحدة الأميركية، سيكون من الصعب على لبنان الموافقة على قيام الصين باستثمارات كبرى، بالرغم من حاجته له. وعليه، قد لا تملك الصين الإرادة ولا القدرة للدخول في صراع مع الولايات المتحدة الأميركية للنفوذ في لبنان، بسبب غياب الجدوى أيضاً.
2- روسيا بسيطرتها على بعض الموانئ السورية وإنشاء قاعدة حميميم على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، تكون روسيا قد حققت أحد أهم أهداف الاستراتيجية الروسية منذ روسيا القيصرية ولغاية اليوم وهو الوصول الى المياه الدافئة. بالنسبة للبنان، حتى لو امتلك الروس الارادة، لا يبدو أنهم يمتلكون القدرة على التأثير على القرارات اللبنانية بدليل انهم تقدموا بعروض هبات متعددة تمّ رفضها من قبل المسؤولين اللبنانيين، أما البيان الذي أصدرته الخارجية اللبنانية الذي أدان التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، فهو دليل إضافي على عدم قدرة الروس على اختراق صناعة القرار اللبناني.
3- الولايات المتحدة الأميركية لا شكّ أن الولايات المتحدة الأميركية تملك القدرة الكافية على التحكم والنفوذ في لبنان وهذا ما يشير اليه تاريخها في التعامل مع صناعة القرار السياسي والاقتصادي والامني في لبنان. إما بالنسبة للإرادة، فإنه من الواضح أن الأميركيين لن يتخلوا عن لبنان بسهولة، بدليل أن ترامب الذي لطالما أعلن رغبته الانسحاب من الشرق الأوسط، قام بتنفيذ سياسة الضغوط القصوى في لبنان لتقليص مساحة نفوذ حزب الله والايرانيين في لبنان (كما قال)، وتوسيع مساحة النفوذ الأميركي فيه.
بالنتيجة، إن المستقبل القريب والمتوسط يشير الى أن الأميركيين يعتبرون لبنان جزءًا من مساحة نفوذهم في الشرق الأوسط، ومن غير المتوقع أن يتخلوا عن هذا النفوذ لصالح دولة أخرى، بالرغم من أنهم قد يلجؤون الى تسوية تأخذ بعين الاعتبار الواقع الموجود على الأرض فيقبلون بتشارك النفوذ مع دول اقليمية لها نفوذ طبيعي في لبنان.