أقلام الثبات
على ما يبدو أن هناك محاولاتٍ جديدةٍ لإعادة تحريك "احتجاجات 17 تشرين الأول 2019"، التي أوكلت قيادتها في ذلك الوقت إلى "مجموعات المجتمع المدني"، وبمشاركةٍ فاعلةٍ أيضًا من القوى المتآمرة على رئاسة الجمهورية، وكل من كان يدعم موقع الرئاسة الأولى ودورها في حينه، وفي طليعتهم حزب الله. وجاء ذلك بعد انقلاب "القوات اللبنانية" على "تفاهم معراب" الذي وقعّته مع التيار الوطني الحر في كانون الثاني 2016. وجاء في صدارة بنود هذا التفاهم، هذا البند: "العمل على احترام الطائفة السنية في العهد الرئاسي لدى اختيار رئيس الحكومة تبعا لقاعدة تمثيل الاقوياء لطائفتهم". غير أن القوات اللبنانية انقلبت على هذا التفاهم، بعد اختطاف رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في الرياض واحتجازه في فندق "الريتز"، وإجباره على الاستقالة من الرئاسة الثالثة، عبر كلمةٍ متلفزةٍ من مكان الاعتقال، وذلك في 4 تشرين الثاني 2017. وبحسب تسريبات صحف لبنانية، تحدث الرجل عن دور رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في عملية احتجازه في الرياض، كما تحدث عن "المشاريع القواتية" آنذاك، التي كانت تعتبر "أن الحريرية السياسية كانت عاملاً أساسياً في الوضع المتردي الذي يعيشه لبنان"، تحديدًا لجهة رفض الزعيم السني الأول الانزلاق إلى صراعٍ مذهبيٍ، من خلال تفاديه لأي احتكاكٍ مع حزب الله، ما أثار غضب المملكة السعودية عليه.
ولاريب أن اختطاف رئيس الحكومة الأولى للعهد العوني، شكل طعنة للرئيس العماد ميشال عون، وبداية انقلابٍ عليه، استكمل في 17 تشرين الأول 2019، وإجبار الحريري مرةً ثانيةً على الاستقالة من حكومة العهد الثانية، وترك البلد في مهب الريح، ولايزال حتى الساعة، بعدما أدار "زعيم المستقبل" ظهره، لجميع من ناشده البقاء في موقعه، والعمل سويًا على إنقاذ ما تبقى، عبر إقرار ورقة إصلاحات في مجلس الوزراء في حينه. وكان في مقدمة هؤلاء المناشدين الرئيس عون والسيد حسن نصرالله. غير أن الحريري آثر ركوب "موجة الثورة" آنذاك، واستقال مجددًا من الحكومة، مخلفًا وراءه فراغًا سياسيًا، وفوضى في الشارع، وبلد مقطّع الأوصال، بفعل الممارسات الميليشيوية، التي عادت اليوم إلى خطابها التقسيمي. ومن ذلك الوقت حتى اليوم، تحاول القوى الخارجية الداعمة للانقلاب المذكور، تعميم الفراغ في مختلف مؤسسات الدولة اللبنانية، من رئاسة الجمهورية، إلى مجلس الوزراء، ثم المؤسسات الأمنية والقضائية، بما يتماهى مع الشعار الذي أعلنته معاونة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف أخيرًا، أن "الانهيار مطلوب"، لأن البناء من تحت الرماد أفضل، وطريق الانهيار تعني أخذ لبنان نحو الأسوأ، حتى يتحرك الشارع، ولو اقتضى ذلك أن تتفكك الدولة والأجهزة الأمنية، على حد قولها.
أمام هذا الواقع السياسي المأزوم، الذي ترافق مع تردٍ كبيرٍ للواقعين الاقتصادي والمعيشي، وفي سبيل الحد من الانهيار، ولإخراج الوضع اللبناني من ثلاجة الانتظار، حيث وضعته بعض القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في الساحة اللبنانية، في انتظار نتائج صراعاتها الدولية، لتبني عليها ترتيباتها في المنطقة، وفي سياقها رعاية تسويةٍ للوضع اللبناني، ومحاولة إيصال رئيسٍ للجمهورية موالٍ للمحور الأميركي- الخليجي، تحت ضغط الشارع مجددًا، بحسب رأي مرجع سياسي متابع لمجريات الأحداث. هنا وجد فريق المقاومة ضرورةً قصوى لحث مختلف القوى والمكونات اللبنانيين إلى الإسراع في الحوار والتفاهم على انتخاب رئيسٍ للجمهوريةٍ وفاقيٍ، لا يطعن ظهر المقاومة. ولهذه الغاية كثّف حزب الله اتصالاته السياسية، والتقى ممثلوه مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ثم مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، واتفق الطرفان على التمسك بورقة التفاهم بين "التيار" و"الحزب"، واستكمال الحوار بينهما للتوصل إلى اتفاق على أسم مرشحٍ رئاسيٍ مقبول لدى غالبية المكونات اللبنانيين، وقادر على مواكبة المرحلة الراهنة. فجاء الرد الغربي على مساعي حزب الله الرامية إلى إنهاء الفراغ الرئاسي، من خلال تحريك الشارع مجددًا، بقرار قضائيٍ أصدره المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، بعدما أعطى الحق لنفسه أن يستأنف التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت بعد نحو أكثر عام من التوقف. وجاء في المقابل، ردًا قانونيًا من النائب العام التمييزي غسان عويدات، على قرارات البيطار، اعتبر عويدات بموجب قراره القضائي أن الأول غير موجود. وهنا حاول نواب "الثورة" تحريك الشارع مجددًا، وترافق ذلك مع ارتفاعٍ كبيرٍ في سعر صرف الدولار، لدفع المواطنين إلى اليأس والغضب، كردٍ على اتصالات حزب الله المذكورة، ودائمًا برأي المرجع.
ويؤكد أن المحاولات الرامية إلى إبقاء الفراغ في الرئاسة الأولى، وتعميمه على مختلف مؤسسات الدولة، ونشر الفوضى في البلد، ستواجه بتوافق فريق المقاومة وحلفائه على انتخابٍ رئيس للجمهورية، جازمًا أن هذا الفريق اقترب من تحقيق هذه الغاية، يختم المرجع.