الفوضى طريق الخصخصة والتقسيم ــ عدنان الساحلي

الجمعة 27 كانون الثاني , 2023 10:21 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

مكتوب على اللبنانيين دفع ثمن الخدمات الأميركية للمشروع الصهيوني في منطقتنا وبلادنا.

هكذا حدث عندما نزلت قوات المارينز على شاطىء الأوزاعي عام 1958، في تهديد منها لثورة الجيش التي أطاحت بحكم رجلي الإنكليز والأميركان في العراق، الملك عبد الإله ورئيس حكومته نوري السعيد؛ ولوقف الثورة التي تصدت لخطة كميل شمعون بضم لبنان إلى حلف بغداد. والنظامان كانا ضمن المنظومة الأميركية العاملة في خدمة الكيان الذي يحتل فلسطين.

وهكذا جرى، عندما خطط وزير الخارجية الأميركي الأسبق السيء الذكر،هنري كيسينغر، للتغطية على خيانة أنور السادات وزيارته إلى الكنيست الصهيوني في فلسطين المحتلة، بواسطة الدخان المنبعث من إحراق لبنان عام 1975. مقدمة للغزو "الإسرائيلي" للبنان عام 1982، بعد أن إستنزفت المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية، في حرب أهلية داخلية، كان آخر مطافها عودة "المارينز" إلى بيروت، مع القوات المتعددة الجنسيات الأوروبية المنتمية إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو". فكان إستشهاديون مجاهدون لها بالمرصاد، فاعادوا مئات الجنود الأميركيين والفرنسيين جثثا إلى بلادهم.

وهكذا حاول الأميركيون وادواتهم، بعد إغتيالهم الرئيس رفيق الحريري، لأنه فشل في تنفيذ مخططهم بالتخلص من المقاومة؛ بل فتح معها علاقات تفاهم وتنسيق. وحاولوا تكرار ذلك، عبر المملكة السعودية، للتخلص من إبنه ووريثه السياسي سعد الحريري، للسبب نفسه؛ لأنه رفض إشعال فتنة مذهبية تحاصر المقاومة، خدمة للمشروع الصهيوني. واليوم تتكرر الخطط الشريرة للإدارة الأميركية، الخاضعة للوبيات الصهيونية. ولو تغيرت أسماء خدام المشروع "الإسرائيلي".

بالأمس كان هنري كيسينغر، الذي ما زال حياً يرزق، رغم أنه من مواليد عام 1923. واليوم ها هي باربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ترث دوره في التخريب والتآمر على لبنان، ففي الشهر الفائت تنبأت ليف بـ : "إن لبنان مفتوح على كل السيناريوهات، بما فيها تفكك كامل للدولة. وإن اللبنانيين سيضطرون على الأرجح إلى تحمل المزيد من الألم، قبل تشكيل حكومة جديدة. ونحن أيضاً نضغط بشكل مباشر على القادة السياسيين هناك لإنجاز عملهم، لكن لا يوجد مثيل مثل الضغط الشعبي. وعاجلاً أم آجلاً سينفجر الوضع من جديد، وهذا النوع من الضغط هو الأسوأ، الذي قد يواجهه القادة السياسيون". فهل يتعظ الذين يحركون الشارع هذه الأيام، لأن تحركهم مفضوح. وان المشكلة مشكلة نظام فاسد من أساسه، قائم على المحاصصة الطائفية، مطلوب تغييره. وليست القضية قضية أسماء هذا الفاسد أو ذاك.

وليس صدفة، أن تتحرك الإدارة الأميركية بعد هذا الترويج للفوضى في لبنان، بدفعها عشرات ملايين الدولارات، للمؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية، بقيمة مائة دولار شهرياً لكل عسكري، لمدة ستة اشهر، مستغلة حالة الفقر والأزمة الإقتصادية، التي سببها فساد الحاكمين والنافذين في لبنان، معطوفاً على الحصار الأميركي و"تجفيفه" لبنان من العملات الصعبة، إستمكالاً لعملية إفلاس خزينته وإغراقه في الديون، المستمرة منذ ثلاثة عقود.

وطالما أن اللبنانيين مشغولون هذه الأيام، بالمطالبة بمعرفة حقيقة إنفجار مرفأ بيروت، الذي "عجز" المحققون الأميركيون عن كشف الغازه، رأت وزارة الخارجية الأميركية أن "ضحايا انفجار المرفأ يستحقون العدالة ويجب محاسبة المسؤولين". وحثت "السلطات اللبنانية على استكمال تحقيق سريع وشفاف".

واللافت أكثر، أن الجماعات اللبنانية المعروفة بتبعيتها للأميركيين، ترفع صوتها هذه الأيام، مواكبة الخطط الأميركية، مطالبة بتقسيم لبنان وفدرلته؛ وباقامة "مناطق حرة" فيه، حسب تعبير بعض اللوبيات اللبنانية المتواجدة في الولايات المتحدة والعاملة في خدمة إداراتها.

والمعروف أن الولايات المتحدة خدمة لمصالحها وحماية "لإسرائيل"، لم تتورع عن إرتكاب كل الجرائم بحق الذي يعارضون غزوها لبلادهم وتوسعها على حسابهم. وفي لبنان استخدمت معظم ما يخطر على البال من عقوبات، بدءاً من توريط لبنان بالديون عبر الحريرية السياسية؛ وعبر نهب أمواله العامة وأموال شعبه، بواسطة الفاسدين في السلطة والإدارة، المحميين من الأميركيون أنفسهم، وصولاً إلى خطوة لطالما لوحت بها جماعات أميركا في لبنان؛ وهي التقسيم والفدرلة وغيرها من أشكال التفتيت، التي لا يمكن تنفيذها إلا بعد حرب أهلية دموية وفرز سكاني، يدفع كلفته اللبنانيون من دمائهم وأرواحهم.

وما يجري هذه الأيام بتخطيط وتحريض اميركي، هو تمهيد الطريق لتنفيذ هذا المخطط. كذلك، بات معروفاً، أن تخريب وتدمير إدارات الدولة ومؤسساتها على أيدي أزلام الزعامات المفسدة، المزروعين في تلك الدوائر والمؤسسات؛ وهو الأمر الذي حصل وشمل كل المؤسسات وآخرها القضاء، هو طريق الدعوة لخصخصة تلك الإدارات بادعاء فشلها؛ واستملاكها تاليا من قبل أهل السلطة، باعتبار أنهم هم في الوقت نفسه المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال.

ولذلك عدنا نسمع دعوات الخصخصة ترتفع مجددا، بحجة رد أموال المودعين، التي سرقها زعماء البلد واقتسموها مع أصحاب المصارف، الذين لم يجدوا من يحاسبهم، لا من السياسيين ولا من القضاة، على سوء إئتمانهم لأموال المودعين. والخطر بات يتهدد اليوم مؤسسات الدولة ورصيد الذهب، المعرضين للبيع.

كيف تخصخص بلداً بكامله وتجعله رهن خياراتك السياسية والإقتصادية، هو عنوان مرحلة مستمرة منذ عام 1993. هذا ما يفعله الأميركي وأدواته تحت تهديد التقسيم والفدرلة، فانهيار لبنان سيكون أفضل لإعادة بنائه من تحت الرماد، حسب رأي باربارا ليف. والهدف هو التخلص من المقاومة، بما يخدم المشروع الصهيوني وجر لبنان إلى مستنقع المطبعين مع العدو "الإسرائيلي" وفرض توطين الفلسطينيين ودمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني. مع الموافقة المسبقة من جماعات الخصخصة والتقسيم، أدعياء السيادة، الذين لاقوا العقوبات الأميركية من داخل لبنان، في منتصف الطريق، بإعلان استعدادهم للحرب ضد المقاومة.

وليس مستغرباً سماع دعوات التقسيم، فكل شيء في لبنان مقسم طائفياً ومناطقياً. والمافيا السياسية التي تحكم لبنان عبر الرئاسات والوزارات والكتل النيابية، هي نفسها تحكم مناطقها عبر الإدارات المحلية (البلديات). وهي نفسها تمسك وتملك وتدير مافيات المحروقات والكهرباء ومولدات الطاقة و"الأنترنت" و"الساتيلايت". وهي نفسها تمسك إدارات الدولة ووظائفها ومؤسساتها والعاملين فيها. كما أن لكل طائفة في لبنان مدارسها وتعليمها الخاص ومؤسساتها الصحية ومستشفياتها. حتى أن البعض يلمح إلى أننا على بعد خطوات من تحويل النظام المصرفي إلى مصارف طائفية. وما الفوضى التي ترعاها السفارة الأميركية وتنفذها أدواتها، إلا طريق هؤلاء لتنفيذ ما تبقى من مشروع بيع الدولة. ولفرض فيدرالية غير قابلة للحياة، لكنها وسيلة يعتقد اصحابها أنها قد تخلص الأميركي و"الإسرائيلي" من وجود المقاومة وتتيح لهم الإمساك الكامل بقرار لبنان.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل