نصيحة بين يدي شهر رجب .. الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

الثلاثاء 24 كانون الثاني , 2023 02:22 توقيت بيروت مقالات فكريّة

الثبات - مقالات

 

نصيحة بين يدي شهر رجب

الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي

 

 

إن الإسلام لا يتحقق وجوده فعالاً راسخاً إلا إذا انطلق أوله من جذعٍ راسخٍ يستقر في طوايا القلب وانتهى آخره إلا سلوكات مما شرع الله عز وجل وأمر به وحراسة للمبادئ والقيم، وتلك سنة من سنن الله سبحانه وتعالى في كونه. ما من حقيقة تستطع ظاهرة للأعين راسخة ثابتة إلا ولها جذور باطنة خفية. الجبل الأشم الذي يقاوم الرياح العاتية والزعازع والزلازل ما الذي يجعله راسخاً بهذا الشكل المتغلب؟ إن الذي يجعله راسخاً إنما هو هذا القدر الذي نراه على ظاهر الأرض إذ يكون مبثوثاً بشكل مخروطي في داخل الأرض، فذلك الجزء الخفي من الجبل هو الذي يبعث فيما نراه من مظاهر الجبال الاستقرار والثبات.

من كان يريد أن يتبين مدى رسوخ الإسلام في كيانه الظاهري فليعد إلى الباطن وليعد إلى طوايا قلبه وليبحث عن جذور ذلك الإسلام الذي يتبدى ظاهراً من السلوك والأعمال العضوية فإن وجد هذه الجذور راسخة في طوايا القلب فليحمد الله عز وجل على أن إسلامه حقيقة، مظهر وروح، شكل ومضمون، أما إن عاد فبحث عن جذور هذا الإسلام في طوايا قلبه ولم يجد في فؤاده إلا التعلق بالأهواء والشهوات، إلا الرعونات، إلا العصبيات، إلا حظوظ النفس والهوى فليعلم أنه ليس من الإسلام الذي أمر الله عز وجل به في شيء.

وهذا شهر رجب يطل علينا ويقول الله تعالى:

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة: 36].

أي لا يقتلن الواحد منكم أخاه فإن قتله لأخيه بمثابة قتله لنفسه وإنما ظلم نفسه بذلك، ذكر الباري سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة: 217]، أي من أكبر الكبائر أن يقتل إنسان إنساناً بحق أو بدون حق، أن يبدأ قتالاً بهذا الشهر(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ) [المائدة: 2].

 اصطلحوا مع الله مع افتتاح هذا الشهر المبارك أول الأشهر الحرم، عودوا إلى الله، اصطلحوا مع الله، إن كنتم تبحثون عن رزق فابتغوا عند الله الرزق وأنا الكفيل بأن الله سيرزقكم مع الإسعاد بدلاً من أن يرزقكم فتختنقوا بذلك الرزق. إن كنتم تريدون المتعة فلسوف يكرمكم بالمتعة المباحة المشروعة من سبلها التي تسعدكم في العاجلة والآجلة، نعم، أما أولئك الأباعد الذين ينفخون في نيران هذه المقتلة غير عابئين لا بالأشهر الحرم، غير عابئين بالبرآء، غير عابئين بالدماء الزكية البريئة التي تراق أقول لهؤلاء: اصطلحوا مع الله وأعتقد أن بينكم وبين الله ربما لا أقول خيطاً بل إن بينكم وبين الله خيوطاً تستطيعون أن تتمسكوا بها فتعودوا إلى صلح فعالٍ حقيقي مع الله سبحانه وتعالى، ما لكم ولأناس برآء، لماذا ترسلون إليهم نيران القتل؟ لماذا تنفخون وأنتم في دياركم البعيدة أو القريبة تنفخون في نيران الفتنة عن طريق المال الذي ترسلونه، عن طريق الأسلحة التي تحشدون؟ لماذا؟ ما الفائدة التي ستعودون بها؟ أما إن كان هذا الكلام لا يسري إلى أفئدتكم فأنا أحذركم أيها الإخوة أحذركم من سهام الأسحار، سهام الأسحار لا تخطئ، سهام الأسحار مسمومة، سهام الأسحار تتعالى من أفواه الباكيات المحزونات المظلومات الثكلى، سهام الأسحار تتعالى من أفواه اليتامى صغاراً وكباراً، سهام الأسحار – افتحوا آذانكم جيداً – ستسمعون في ساعات السحر كيف تتعالى الصيحات إلى الله، صيحات المظلومين، صيحات المنكوبين.

 

مختصر من يوم الجمعة‏، 27‏ جمادى الثانية‏، 1433 الموافق ‏18‏/05‏/2012‏


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل