أقلام الثبات
يقترب موعد قمة الاتحاد الأوروبي فيما الغرب برمته في حيرة وارتباك على مستوى التخطيط الاستراتيجي في السياسة وإدارة الحروب والمعارك العسكرية والاقتصادية, مع إظهار تبعية عمياء للولايات المتحدة, ولو أن بعض الدول تخضع لضغط أميركي من دون الأخذ بالسيادة والمصالح الوطنية بعين الاعتبار والجدية, ما أدى إلى نزيف اقتصادي متسارع، في ظل غياب الوصفة التي توقف هذا النزيف المريع.
لقد تمكنت الولايات المتحدة بعقلها الشيطاني من إدخال دول أوروبا والدول الاسكندافية في حالة استنزاف على كل المستويات, من ضمن خطتها المركزية في السيطرة, ولعل المحور الأساسي يقوم على تدمير القيم والأخلاق, وهو على رأس جدول الأعمال الأميركي, وكأن الإدارة العميقة تتعمد ترجمة وتطبيق قول الشاعر العربي احمد شوقي : إِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا.
ليست ما شهدته الأعوام الأخيرة من محاولات حثيثة للتطاول على الإسلام والشعائر وعلى نبي الله الاكرم صلى الله عليه وسلم, إلا نتاج إحدى حلقات التدهور الأخلاقي في الغرب, وكل ما يمت إلى الإنسانية والإنسان والخالق, مع أن واضعي مخطط تسييب الأخلاق والمثل والقيم يدركون جيداً أن التاريخ لا يمكن لأحد أن يتحكم بحركته، وإنما يمكن فقط المساهمة في صنع التاريخ من جانب أولئك القادرين بقناعة على التضحية بكل شيء، ولا تحكم سلوكياتهم الازدواجية -والمقال حسب المقام -وهم الذين يدافعون عن القيم واليقين.
إن ما حصل في السويد وقبله في فرنسا والدنمارك وهولندا، وإعادة نشر الخطايا في مطبوعات في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، وطبعاً مع سبق أميركي في هذا السياق الإجرامي ليس أبداً ردة فعل، أو مناسبة، ما دفعت صحيفة أو كاتباً أو رساماً لارتكاب خطيئة بحق أمة, أو التطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإنما في سياق شيطاني يستهدف الذات الإلهية، لأن من يسب الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم كأنما يسب اختيار الله عز وجل، فهو لا يتطاول على نبي الله فقط بل على الذات الإلهية. الحقيقة البائنة من دون أدنى شك, ووفقاً لدراسات أجريت في الغرب، تظهر أن أبـــرز النتـــائج التـــي توصـــلت إليهـــا مسودة باستبيانات للرأي العام تشـــــكل انعكاســـــاً للصـــــورة النمطيـــــة المشـــــوهة للإســـــلام، وأظهــرت عــدم اطــلاع القــائمين علــى النشــر بمكانــة النبــي محمــد صلى الله عليه وسلم للمســلمين فــي العــالم، وأن هــــذا يســــاهم فــــي تعميــــق مفهــــوم الاســــلاموفوبيا, وما يعمل عليه الغرب منذ انهيار الاتحاد السوفياتي بشكل أكثر نشاطاً, وفق منهجية قائمة على دراسة سيكولوجيا الشعوب الغربية من جهة, ودراسات اكثر شدة لسيكولوجيا الشعوب الإسلامية.
في الواقع إن الحملة الجديدة التي تستهدف الإسلام ليست جديدة, وهي ما أن تشتد حتى تخبو, منذ الحملات الصليبية, سيما مع هزيمة الفاشلين في المحاججة العلمية قبل الدينية, فيما يطلب نشره فقط تحت عنوان "حرية الرأي" دون الوعي بأن الإسلام ليس نظام حكم يحركه السياسيون, أو الإعلام.
إن الذين يثيرون الفتنة اليوم هم من إنتاج المصنّع نفسه لتنظيم داعش, وهو الذي وضع التزييف في الإسلام بما يتلاءم مع الإرهاب, لأنه مدرك أن الأزمة لم تكن يوماً في الإسلام ونبي الإسلام، بل بتضليل المفاهيم، وانتحار الأخلاق، وما الخطيئة التي ارتكبتها السلطات السويدية بسماحها بحرق المصحف الشريف قرب السفارة التركية, إلا في سياق الإرهاب, المعتمد في سياسة الغرب عموماً, والخطوة – الخطيئة في توقيتها مع تمنع تركيا عن الموافقة على انضمام السويد الى الحلف الأطلسي, تهدف إلى ترهيب المسلمين جميعاً مع رسالة الى أنقرة, وكأن القرآن الكريم فقط لمسلمي تركيا التي ردت على استفزازها بإلغاء زيارة وزير الدفاع السويدي التي كانت مقررة إلى تركيا.
هناك 57 دولة, تقول بالإسلام ديناً، وهي الدول المنضوية تحت سقف منظمة التعاون الإسلامي، إلا أن هناك دولاً ذات غالبية من المسلمين وليست من أعضاء هذه المنظمة، وكلها لم تكن ردود فعلها على مستوى الخطيئة بحقها وبحق شعوبها, فكيف سترتقي إلى مكانة الدفاع عن الدين والعزة الإلهية. ولو بالمطالبة بطلب الغفران, والله غفور رحيم.
الاسبوع المقبل سيشهد اجتماع قمة لدول الاتحاد الاوروبي, فهل يمكن أن يبادر العرب أو الدول المسلمة إلى الضغط عليها لاستصدار قرار يتحول إلى قانون تجريم الاساءة والعدوان على الاسلام, و"النبي صلعم" مثل كثير من النصوص الواردة في الكثير من القوانين التجريمية, ولدى العرب خصوصاً، والمسلمين عموماً فرصة لتثبيت حق احترام معتقداتهم.
إن رد الفعل في الدول العربية التي تدرك أن القرآن أنزل عربياً, يذكر ببيانات الاستنكار لاحتلال فلسطين, ومعرج الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم, والغريب استخدام العبارات نفسها بأن "ما جرى مشين", و"يؤجج مشاعر الكراهية والعنف", و"يجب إعلاء قيم التسامح ومنع الإساءة", الخ... من دون أن يأتي أي منهم بكلمة تلوح بإجراء ولو من باب رفع العتب, وهو أقرب إلى التواطؤ مع صمت الدول الغربية وحكوماتها وأحزابها وتياراتها الدينية الساكتة عن الحق, والساكت عن الحق شيطان أخرس, وليس فقط خوفاً من غضب الشيطان الأكبر, وإنما أيضا القيام بتنفيذ الجريمة.
من المدهش أن يكون تشخيص الكنيسة الروسية للخطيئة أرفع مستوى باعتبار أن عملية حرق القرآن أمام السفارة التركية في ستوكهولم، هي "عمل تخريبي غير مقبول"، ولا يمكنك الاستهتار بما هو مقدس لشخص آخر. ولا يمكنك تجاوز حدود الإنسانية وإهانة الأضرحة الدينية في صراع سياسي. فيما قال نائب رئيس قسم السينودس للعلاقات الكنسية مع المجتمع: "إن تدنيس الأشياء المقدسة موجه ضد جميع المؤمنين ومحاولة لفرض نظرة عالمية لا مكان فيها لاحترام الأضرحة الدينية، بغض النظر عن الدين الذي تنتمي إليه".
لا شك أن الغربيين كلما اصطدموا بأزمة يصعب معالجتها أمام شعوبهم التي ترفع الصوت, تلجأ الحكومات الغربية خوفاً من الانقسام الداخلي للمس بمحرمات دينية, مصحوبة بإثارة مخاوف تحاكي الغرائز التي غرزتها في معتقدات "الديمقراطية" اعتقاداً منها أنها تدفع الناس للالتفاف حولها دفاعا عن الأكاذيب التي تم تنشئتهم عليها, وباتوا يعتقدون أنها حقائق، وكما قال أحمد شوقي : والصدقُ أرفع ما اهتز الرجالُ له وخيرُ ما عوّدَ أبناً في الحياةِ أبُ.