البرازيل .. هل تتدخل الأصابع الأميركية؟ ـ عدنان الساحلي

الجمعة 20 كانون الثاني , 2023 08:47 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تواصل البرازيل تلقي تداعيات تحرك انصار رئيسها السابق، جايير بولسونارو، في رفضهم لنتيجة الإنتخابات الرئاسية التي خسروها، فاحتجاجهم كان أقرب للحدث الإنقلابي، بشغبهم الذي مارسوه وعنفهم وتعديهم على أبرز ثلاث مؤسسات دستورية، في العاصمة برازيليا، هي: مبنى الكونغرس، المحكمة العليا وقصر بلانالتو الرئاسي، بعد أسبوع على تنصيب الرئيس المنتخب إيناسيو لولا دا سيلفا.

المتابع للحدث البرازيلي لا بد أن يلاحظ أن البلاد على شفير الدخول في صراع داخلي، فهي تشهد إنقساماً حاداً، بين يمين ويسار وأغنياء وفقراء وعنصريين وملونين، بينهم سكان أصليون. وكذلك، بين تبعيين للولايات المتحدة الأميركية والنظام الإقتصادي العالمي؛ وبين وطنيين هدفهم بناء وطنهم وتوفير رفاهية شعبهم، باستقلالية عن قوى الهيمنة العالمية.

أدوات "الإنقلاب الفاشي" كما وصفهم دا سيلفا، هم أنصار بولسونارو، رجل وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA)، المشكلين من تحالف يضم رجال أعمال وأرباب الثروة الحيوانية وتجار الأخشاب (تضم البرازيل الجزء الأكبر من غابات الأمازون)، إضافة إلى أحزاب يمينية صغيرة؛ ومعهم اتباع الكنيسة الأنغليكانية، المعروفون بعنصريتهم تجاه الملونين وسكان البلاد الأصليين. وبولسونارو ذاته يوصف بأنه يميني متطرف، كان حليفاً قوياً لدونالد ترامب. أما حكومة دا سيلفا، فتضم نخبة مشهود لها بالكفاءة وتحظى بمحبة وتأييد وثقة الفقراء، بينها الشخصية البارزة التي تتولى وزارة المال في الحكومة الحالية، فرناندو حداد، اللبناني الأصل (من بلدة عين عطا)، الذي يعتبر العقل الإقتصادي لدا سيلفا وخليفته المرجح باجماع أحزاب اليسار.

وفيما دمّر أنصار بولسونارو في شغبهم، منشآت وأعمالاً فنيّة لا تُقدّر بثمن؛ وأثاثاً يُشكّل جزءاً من التراث الوطني. وتركوا وراءهم كتابات على الجدران تدعو إلى انقلاب عسكري، مما دفع الرئيس اليساري لولا للقول: "أنا مقتنعٌ بأنّ بوابة قصر بلانالتو فُتحت حتى يتمكن الناس من الدخول، لأنّه لم يتم خلع أيّ باب". مشدداً على أنّ "هذا يعني أنّ شخصاً ما سهّل دخولهم إلى هنا". ولذلك، أعلن لولا، عن إجراء مراجعة "شاملة" للموظفين في مقر الرئاسة، قائلا إنه مقتنع بأن الذين اقتحموا قصر بلانالتو الرئاسي تلقوا مساعدة من داخله.

وتساءل الرئيس البرازيلي الجديد: "كيف يمكن أن يكون لديّ شخص أمام باب مكتبي يمكنه إطلاق النار علي؟"، معرباً عن اعتقاده أن "القصر كان مليئاً بالبولسوناريين والعسكريين". مشيراً إلى رغبته في "تعيين موظّفين مهنيين". وهذه القناعة، دفعته إلى إقالة نحو 40 شخصاً من طاقم أمن القصر الرئاسي في برازيليا. والإجراء الذي نُشر في الجريدة الرسمية، يتعلّق بعسكريين عاملين في قصر ألفورادا، المقر الرسمي لرئيس الدولة، الواقع على بعد 4 كيلومترات من مقار الرئاسة والكونغرس والمحكمة العليا، وهي المقارّ التي اقتحمها أنصار بولسونارو.

وفيما شدّدت السلطات البرازيلية، الإجراءات الأمنية حول مقار السلطة في برازيليا. وتمّت زيادة عدد أفراد الشرطة العسكرية، المتمركزين قرب قصر بلانالتو الرئاسي والكونغرس والمحكمة العليا من 248 إلى 500 عنصر، أوقف أكثر من 2000 شخص بعد محاولة التمرّد التي وصفتها الحكومة بأنها "عملٌ إرهابي"؛ وسُجن على ذمّة التحقيقات قرابة 1200 شخص. وبدأت النيابة إجراءات رسمية ضد 39 منهم بتهمة الإجرام المسلّح وإلحاق الضرر بالممتلكات والعنف والتحريض على الانقلاب. كما ألقت الشرطة البرازيلية القبض على وزير العدل السابق في حكومة بولسونارو، أندرسون توريس، بعد عودته من الولايات المتحدة، على خلفية الاشتباه بتورطه في أعمال الشغب الأخيرة. وقررت المحكمة العليا فتح تحقيق مع الرئيس السابق بولسونارو، بعد أن وافق قاضٍ في المحكمة العليا البرازيلية، على إدراجه في التحقيقات الجارية. كذلك، كشفت "فوليا دي ساو باولو" اليومية، عن وجود مشروع مرسوم في منزل وزير العدل توريس، كان سيسمح بإلغاء الانتخابات الرئاسية.

وعُثِر على هذه الوثيقة، التي كشفتها الصحيفة، خلال عمليات تفتيش أجرتها الشرطة الفدرالية في منزل الوزير السابق، بعدما صدرت بحقه مذكرة توقيف عن قاض في المحكمة العليا، للاشتباه بأنه كان "متواطئاً" في الهجوم على مقار السلطة، الأحد الماضي.

ونشرت الصحيفة مضمون ثلاث صفحات من الوثيقة، تنص على تدابير تفيد بأن "تسيطر الحكومة الفدرالية على المحكمة العليا الانتخابية، المكلفة بالإشراف على حسن سير العملية الانتخابية، بحجة ضمان الحفاظ على الشفافية والمصادقة، وعلى سلامة عملية الانتخابات الرئاسية لعام 2022".

كما أعلنت النيابة العامة في بيان أصدرته، أن الرئيس السابق بولسونارو، الموجود في الولايات المتحدة منذ أواخر كانون الأول 2022، يجب أن يخضع للتحقيق، للاشتباه بأنه أحد "المحرضين المعنويين" على عمليات التخريب في مؤسسات وطنية في عاصمة البلاد. بيت القصيد في هذه التطورات، هو ما كشفت عنه وكالة "بلومبرغ"، عن إنّ انتقاد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا لقادة جيشه، مخاطرة قد تقوض جهوده لإصلاح العلاقات مع الجنرالات. ونقلت "بلومبرغ"، عن مقربين من لولا وبولسونارو، بالإضافة إلى مسؤولين عسكريين ناشطين ومتقاعدين، قولهم إنّ "استراتيجية الرئيس البرازيلي لاستعادة السيطرة السياسية بعد أعمال الشغب، تخاطر بتقويض جهوده لإصلاح العلاقات مع الجنرالات".

ووفق "بلومبرغ"، هناك قلق من قبل عسكريين "على قدرة لولا"، في إعادة بناء الجسور مع الجيش، بعدما صعّد الخطاب ضد قادة الجيش". واتهم لولا القوات المسلّحة "بعدم فعل أي شيء ضد أنصار بولسونارو، الذي حاولوا الانقلاب على النظام أمام المقر العسكري". وأكد أنّ "الشرطة قادت المقتحمين كما يبدو واضحاً في مقاطع الفيديو؛ ولم يفعلوا شيئاً لحماية المكان والناس، ولم يكونوا جديرين بالثقة". ومن المعروف، أن تدخلات الولايات المتحدة الأميركية ومخابراتها المركزية، لتغيير الأنظمة والحكومات غير الموالية لها، لطالما تمت عبر جيوش تلك الدول، التي تعطيها الإدارات الأميركية الأولوية في علاقاتها معها. وهذا ما نراه ونلمسه في لبنان والبلدان العربية وغيرها من بلدان العالم الثالث. وجريمة قتل الرئيس التشيلي الإشتراكي المنتخب سلفادور الليندي، عام 1973، بإنقلاب قاده قائد الجيش، الجنرال الديكتاتور ورجل أميركا أوغستو بينوشيه، ما تزال ماثلة. وكذلك إنقلاب الجيش على رئيس وزراء باكستان الأسبق ذو الفقار بوتو واعدامه لاحقاً.

يذكر أن للبرازيل تجربة سابقة مع حكم العسكر، حيث وصل المجلس العسكري إلى السلطة في عام 1964 وحكم حتى عام 1985، ليُستأنف بعدها الحكم المدني.

لكن قد يخفف من هذه المخاوف، الصراع الدائر في الولايات المتحدة بين مؤيدي الرئيس جون بايدن ومؤيدي منافسه، الرئيس السابق دونالد ترامب. إذ دعا 41 مشرعاً ديمقراطياً، مؤخراً، في خطاب للرئيس بايدن، إلى إلغاء تأشيرة بولسونارو، الموجود في فلوريدا، رافضين أن تشكل الولايات المتحدة ملجأ له. فهل تلتهي أميركا بمشاكلها، أم تحرك أصابعها لدعم أتباعها وإشعال الصراع في البرازيل.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل