أقلام الثبات
بدأت الإدارة الأميركية نشاطا جديدا في العالم، حيث توزع موفدوها على العديد من الدول من أوروبا الى اسيا الى افريقيا, في تحرك يصب ضمن خطة حصار روسيا, وهي خطة سبقت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا, ومستمرة.
يأتي هذا التحرك متزامنا مع مؤشرات لها دلالة هامة:
- سيطرة القوات الروسية على مدينة سوليدار، ذات النقطة الاستراتيجية, وقد لعبت منظمة "فاغنر" العسكرية الخاصة دورا مميزا في تلك العملية, المستمرة في التقدم.وكذلك اقتراب موعد انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
شكلت خسارة سوليدار صدمة كبيرة للقوات الأوكرانية اذ ان "سوليدار" تعتبر "مفتاحا" إلى أرتيموفسك، وهي مركز لوجستي رئيسي. ولصيقة بسوليدار، حيث يوجد مناجم الملح،وتتمدد فيها شبكة واسعة من الأنفاق تحت الأرض بطول عدة كيلومترات،وتلك الانفاق حولتها القوات الأوكرانية الى مخازن استراتيجية للذخائر اذ تحتفظ هناك بكمية كبيرة من الذخيرة – أي انها قاعدة إمداد مركزية-، وقد فقدتها القوات الأوكرانية .
- يأتي هذا التحرك، وسط صراخ أوكرانيا مطالبة بمزيد من الأسلحة, والأموال والمساعدات على مختلف اشكالها، رغم ما جرى استنزافه من مئات المليارات. واحراقه في مواجهة روسيا بوهم الحفاظ على تسييد اميركا كرسي العالم منفردة, ولو أدى ذلك الى افقار شعوب باسرها، ونشوب حروب أهلية، وهما صفتان مميزتان في السياسة الأميركية، بذريعة تقديم المساعدة, رغم انها ديون للخنق, وهذا ما حصل في أوكرانيا، اذ ان الديون التي تصنفها الولايات المتحدة - مساعدة – هي ديون مسندة.
- فشل استراتيجية الحصار الاقتصادي لروسيا, وعبثية العقوبات في شل واستنزاف الاقتصاد الروسي, بالتوازي مع حملة تشويه التاريخ والثقافة, وما قدمته روسيا وقبلها الاتحاد السوفياتي للبشرية, ولا سيما للدول الفقيرة, وارتداد كل نلك الإجراءات الخبيثة على أصحابها .
- تزايد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا المستنزفة ماليا وعبر امدادات السلاح للحرب الأطلسية في أوكرانيا, والحاجة الأوروبية الى الغاز الروسي, ويبدو ان الضخ سوف يستأنف قريبا مع تنامي حركة الشارع في أوروبا، واحد مظاهرها الأخيرة استقالة وزيرة الدفاع الألمانية, لعدم قدرتها على موافقة مطالب واشنطن في رفد أوكرانيا بالسلاح بينما الشارع الألماني يعارض بشدة.
- لم يعد بإمكان الولايات المتحدة اقناع دول تدور في فلكها باستمرار دعم أوكرانيا ماليا وتسليحيا الا بالضغط المباشر، لانه عند تقييم الوضع حين يتم عرض الخسائر الأوكرانية, من دون تحقيق انجاز يعتد به امام القوات الروسية, او الحفاظ على جغرافية قررت القيادة الروسية السيطرة عليها.
وقد بلغ مجموع خسائر أوكرانيا منذ بداية العملية العسكرية الخاصة 372 طائرة حربية، و200 مروحية، و2885 طائرة بدون طيار، و401 منظومة صواريخ مضادة للطائرات، و7537 دبابة ومدرعة أخرى، و983 راجمة صواريخ، و3841 قطعة من المدفعية الميدانية ومدافع الهاون و8066 مركبة عسكرية خاصة.
- ملاحظة الاطلسيين وعلى راسهم اميركا, التطور في العمليات الروسية على الأرض ويبدو ان هذا الامر في مسار التطوير, ولذلك كانت التعيينات الأخيرة لقيادة العملية عسكرية الخاصة. وأصبح بموجبها الجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس الأركان العامة، قائدا للمجموعة المشتركة للقوات. كما تم تعيين القائد العام للقوات الجوفضائية الجنرال سيرغي سوروفكين، والقائد العام للقوات البرية الجنرال أوليغ ساليوكوف، ونائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الفريق أول أليكسي كيم نوابا له. وهذا يعني تطوير للعملية العسكرية من حيث القيادة والتحكم من جهة, وتكثيف العمليات الميدانية من ناحية ثانية.
مقابل هذا الوضع لوحظ ان إدارة العمليات الأطلسية وإدارة التخطيط الأميركي للتشويه, والتبرير اللاحق ,أصدرت تعليمات, بشن حملة واسعة ضد منظمة "فاغنر"لالحاق الضرر فيها , ليس لدورها في السيطرة فقط على سوليدار, وانما ضمن محاولة موازاتها بما ارتكبته منظمة اميركا التي تضم مرتزقة – أي بلاك ووتر- صاحبة السمعة السيئة جدا في ارتكاب الجرائم والقتل العمد, وتصفية من يعارض السياسة الأميركية, ولا تزال مجزرة ساحة النسور في العراق ماثلة, وقد تم تبرئة عناصر "بلاك ووتر" من الجريمة الفظيعة رغم ان القضاء الأميركي نفسه وثق الادانات غير القابلة للطعن او الجدل, وقد رفض القاضي الاميركي جميع التهم الموجهة لمجرمي: "بلاك ووتر" بحجة أن القضية المرفوعة ضد قتلة بلاك ووتر بنيت بشكل غير صحيح ونظرا لأن حراس الشركة كانوا يتمتعون بالحصانة, اذ انه تمة تشريع يضع منتسبي الشركة فوق القوانين, تماما كما في جرائم الجيش الأميركي على امتداد الكرة الأرضية.
لقد اغرق الأميركيون وسائل الاعلام العالمية ببيانات تتناول أنشطة الشركة العسكرية الخاصة الروسية في صربيا ودول أخرى خارج أوكرانيا. كما كثفوا الحملة باستخدام منظمات حقوق الإنسان التي تتهم مقاتلي فاغنر بأعمال إرهابية وتعذيب مدنيين وجرائم أخرى. دون ان يكون هناك أي دليل واقعي على الاتهامات لعناصر الشركة, وهم عسكريون محترفون بالاصل, ويعرفون القوانين الدولية, ويحفظونها عن ظهر قلب, لكن إدارة بايدن تصر تصنيف الشركة الروسية بأنها منظمة إرهابية أجنبية.
من الواضح خلال هذه الحركة الأميركية ,ان العام الجاري سيكون عام الصدامات على كل المستويات، وعام مصيري, لان الغرب بقيادة واشنطن امام خيارين, اما ان يتقبل الهزائم ويقر بواقع لا مناص من التعاطي معه بعقلانية, او اشعال أي نقطة في العالم, تخدم المصلحة الأميركية حصرا, ولو كانت شعوب الأرض قاطبة, ومصالحها, مجرد حطب في المرجل الأميركي.