أبجدية العدل في جمهورية "نون"... ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 18 كانون الثاني , 2023 08:43 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

الشاب وليام نون، صاحب قضية البحث عن قتلة أخيه في جريمة تفجير المرفأ، سواء اعتبره البعض مناضلاً عنيداً من أجل قطعة من قلبه خسرها على مرأى سلطة بلا قلب، أو اعتبره البعض الآخر أداة تحريضٍ ضد الدولة في الشارع، يبقى ذلك الباحث عن عدالة مفقودة في بلدٍ انتحرت فيه أبجدية القِيَم، بعدما انحدر أداء المؤسسات الرسمية الى أدنى حضيض.

من قبيل المُصادفة ربما، أن تحمل رمزية حرف "نون" هذه الجدلية في العدالة الإنسانية، وهذا الحرف الذي اعتبرته بعض الحضارات القديمة رمزاً ليَدين مفتوحتين صوب السماء والنقطة التي تعلوهما رمز الأمل بالله ومشيئته، وسبق أن وضعته المنظمات الإرهابية على جدران بيوت المسيحيين في العراق عام 2014 إختصاراً لكلمة نصارى، وتخيير السكان بين إعلان إسلامهم أو دفع الجزية، الى أن انتفضت الإعلامية العراقية المُسلمة داليا العقيدي، واضعةً الصليب حول عنقها، وأطلقت حملة ضد التنكيل والتهجير تحت عنوان "كلنا مسيحيون" وانتقلت فكرتها الى الغرب للتضامن مع مسيحيي العراق تحت راية حرف النون، وبالتالي، نشأت الجدلية حول رمزية هذا الحرف، وبات كل مظلومٍ في هذا الشرق كائناً ما كانت ديانته يرفع يديه الى السماء كما النون ولا أمل له في العيش بسلام سوى تلك النقطة التي ترمز لرحمة الله.

والشعب اللبناني بكل طوائفه بات يحمل حرف النون ضد الظلم، وسط أوقح تواجد لمَن يدَّعون أنهم السلطة، وبأقذر أداء نيابي ووزاري وقضائي وإعلامي يُمكن أن يعيش تحت هيمنته شعب، وبتنا نحتار في رحلة البحث عن مطلق مسؤول لديه بقايا ضمير وحياء، كي نرمي بوجهه حرف النون ونصرخ...كفى.

والكلُّ في الحُكم يرفع حرف "النون" بوجه الكلّ، ظالماً كان أم مشاركاً في الظلم، ولا نقطة مرئية للشعب فوق حرف النون الملعون، ولم يتواجد حتى الآن أي سلطوي سياسي أو قضائي أو إعلامي، لديه الضمير والكرامة والجرأة لمصارحة اللبنانيين بهذه الملحمة الإجرامية التي تُرتكب على طريقة الإبادة الجماعية لشعبٍ بأكمله، هذا الشعب، الذي عندما قرر الثورة منذ بضع سنوات امتطوا ظهره وأكتافه ورفعوا بالنيابة عنه حرف النون!

وقد يقول قائلٌ، أن الفرج لن يأتي سوى بحرب، ليست بالضرورة أن تكون مع العدو الإسرائيلي، بما يعني أنها دعوة صريحة لحربٍ أهلية ولكن، أدوات الحرب غير متوفرة، بدءاً من كسرة الخبز ووصولاً الى المدفع، ليغدو الحلّ للأسف قاسياً، حلّ الدولة وتحلل مؤسساتها عبر العصيان المدني الذي تبدو ملامحه أمراً واقعاً مهما كابر المُكابرون، خصوصاً متى تتمكن أية مجموعة زعران شوارع أن تقطع الطرقات وتهدد الدولة بأمنها على مرأى من رجال أمنها، وتتهاوى بقايا هيبة الدولة عند كل مواجهة تحت وطأة سلطة فاقدة لأدوات المواجهة وفي طليعتها مواقف الرجال، وقد يكون التدبير الأمني القضائي الذي تمّ اتخاذه في حادثة بلدة كفرقاهل/ الكورة مؤشراً على بقاء دولة تُصارع للبقاء، وأخبار قيامتها رهن توافق باريس وأنقرة والرياض وطهران، فيما بيروت تكتفي بأن تنادي: يا سامعين الصوت، نحن أبناء جمهورية "نون"...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل