أقلام الثبات
مدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تفويض المحكمة الخاصة بلبنان من 1 آذار/ مارس إلى 31 كانون الثاني / ديسمبر هذا العام، وذلك لتحقيق هدف محدد وهو إكمال المهام المتبقية غير القضائية للمحكمة الخاصة وإغلاقها بشكل منظم.
وبهذا التمديد يكون أمام لبنان ان يؤمن حصته من الاموال المتوجبة عليه للمحكمة هذه السنة وهو ما سيفعله الرئيس نجيب الميقاتي من دون دعوة مجلس الوزراء ولا اشتباك حول صلاحيات رئيس الجمهورية، كما فعل في وقت سابق الميقاتي نفسه والرئيس حسان دياب.
وهكذا، يضاف الى التاريخ والسوابق اللبنانية الداخلية سابقة تعثر المحكمة الخاصة بلبنان مع كل اللغط حولها، ويبدو أن التاريخ اللبناني والثقافة الحقوقية بشكل عام في لبنان، ليس معتادًا على ثقافة احقاق الحق، فالتسويات اللبنانية القائمة على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، لطالما طمست العديد من الحقوق، ونذكر على سبيل المثال قانون العفو الشامل الذي أقرّه المجلس النيابي اللبناني، والذي طمس حقوق ضحايا الحرب الأهلية، وطمس حقوق أهالي المفقودين في معرفة الحقيقة، وأسبغ على أمراء الميليشيات صبغة "البراءة" الافتراضية الأخلاقية بشكل سمحت لهم بحكم لبنان فيما بعد... وانطلاقًا من كل ذلك، أتت المحكمة الخاصّة بلبنان، لتضيف على ثقافة الافلات من العقاب المعروفة لبنانياً، تجربة جديدة من التسييس واستغلال العدالة
وعدم الايمان بقدرة العدالة الدولية على احقاق الحق.
ومع تلك التجربة، يجد ضحايا المرفأ اليوم أنفسهم أمام تسويف قضائي لبناني داخلي وتدخلات سياسية، فلا هم قادرون على تحريك الملف المسدود الأفق داخلياً ولا هم قادرون على التطلع الى العدالة الدولية لتحقيق العدالة. لقد مارست المحكمة الدولية ما يشبه الوصاية على لبنان خلال فترة طويلة، وقام التحقيق الدولي بظلم الضباط الاربعة وفبركة شهود زور، وساد الكثير من اللغط حول التسييس الذي شابها والفساد وتسريب القرارات الاتهامية وتحوّل الاتهام من "السوريين" الى "حزب الله".
انه لبنان، بلد اللاعدالة والافلات من العقاب، وشاهد على تجربة دولية تضيف الى سجله افلاتاً جديداً وتسييساً أكبر.
لطالما قيل عن المحاكم الجنائية الدولية بأنها "عدالة
المنتصرين"، إذ لم تستطع أي منها في كل مسارها منذ محاكمات نورمبرغ على أثر الحرب العالمية الثانية ولغاية اليوم، من أن تقدم منتصرًا للعدالة، فلم يحاكم في نورمبرغ سوى الألمان المهزومين، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتتي وانتشار ثقافة تأسيس المحاكم لم يحاكم قادة الناتو ولا من يدعمونهم في المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة على قتل المدنيين ولم يتم التحقيق معهم في المحكمة على الاتهامات المساقة للجنود بالتجارة بالأعضاء البشرية، ولم يحاكم أحد من قبائل التوتسي المنتصرة في رواندا، ولم يحاكم سوى المهزومين في كمبوديا الخ.. وهكذا نجد، أن المنتصر هو مَن يسنّ القانون، ويكتب التاريخ، ويقيم المحاكمات للمهزومين ليضيف الى انتصاره الميداني انتصارًا تاريخيًا وبراءة اخلاقية.... واليوم، يضاف الى ذلك السجل، المحكمة الخاصة بلبنان.