الفاشية الأميركية تخسر في البرازيل ــ عدنان الساحلي

الجمعة 13 كانون الثاني , 2023 10:30 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يقال أن الضربة التي لا تقصم ظهرك تقويك. وبات مؤكداً أن الرئيس البرازيلي المنتخب إيناسيو لولا دا سيلفا، خرج أكثر قوة من التجربة الإنقلابية "الترامبية" الفاشلة، التي تعرض لها مؤخراً، بعد حوالى أسبوع على تنصيبه رسمياً؛ وبعد مضي قرابة شهرين على فوزه في الانتخابات الرئاسية، على خصمه الرئيس السابق جايير بولسونارو، الذي مارس التحريض المباشر ضد نتيجة الانتخابات، مما فتح المجال أمام أنصاره لتنفيذ غزوة احتجاجية لعدد من مقرات الدولة الرئيسية، في نسخ حرفي لما فعلته الميليشيات العنصرية البيضاء، المؤيدة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عندما اقتحمت مبنى الكابيتول، عقب فشله منذ عامين، في تجديد رئاسته أمام خصمه وخلفه جو بايدن.

فقد اقتحم أنصار بولسونارو منذ أيام، البرلمان والقصر الرئاسي وساحة المحكمة الفيدرالية العليا في برازيليا؛ وعاثوا بمحتويات المباني الحكومية، في تحرك لهم هو الثاني، بعد أعمال عنف مارسوها في العاصمة برازيليا يوم 13 كانون الأول الماضي، إثر تصديق المحكمة الانتخابية العليا رسمياً، على فوز لولا دا سيلفا اليساريّ المخضرم، في الانتخابات الرئاسية، في مواجهة الرئيس اليميني المتطرّف، الذي طالما تمتع بعلاقات وطيدة بترامب طوال سنوات عمله في البيت الأبيض. ولم يكن بولسونارو في العاصمة البرازيلية، فهو يقيم في أورلاندو بولاية فلوريدا الأميركية، على بعد حوالي 150 ميلاً من مقر إقامة ترامب في مار إيه لاغو في بالم بيتش.

هذا التحرك الذي وصفه دا سيلفا وعدد من رؤساء الدول، بأنه فاشي، ذكّر بالانقلابات التي طالما رعتها الولايات المتحدة ودعمتها؛ ضد الرؤساء والحكومات التي لا تماشي سياساتها، في مختلف أصقاع العالم. لكن ولأن طابخ السم آكله، كان الرئيس الأميركي جو بادين وإدارته في صفوف المستنكرين هذه المرة، فهم بدورهم كانوا ضحايا لـ"الأسلوب الأميركي" في رفض نتائج الانتخابات وضرب إرادة الشعوب وفرض أتباعها حكاماً؛ ولو اقتضى الأمر تنظيم انقلابات دموية، سبق أن شهدتها شعوب ودول في مختلف قارات العالم. وفيما تولت الشرطة معالجة الأمر وأجلت المشاغبين عن المقرات الرسمية، بتدخل أمني اتحادي أمر به دا سيلفا، صدرت مواقف إدانة واستنكار من معظم رؤساء وحكومات العالم؛ نال فيها الرئيس اليساري البرازيلي دعماً معنوياً غير مسبوق، من رؤساء دول كفرنسا واسبانيا والصين وتركيا وغيرها، لكن الموقف الأكثر قوة، صدر عن دول أميركا اللاتينية المجاورة للبرازيل. وسجل للرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، قوله: إن "الفاشية قررت تنفيذ انقلابها، كل التضامن مع لولا دا سيلفا وشعب البرازيل". ودعا بيترو "لاجتماع منظمة الدول الأميركية بشكل عاجل إذا كانت تريد استمرار هذه المنظمة". ولم تغب دبلوماسية كوبا عن هذا التضامن والدعوة "إلى احترام إرادة الشعب البرازيلي". كذلك صدرت مواقف إدانة عن الرئيس المكسيكي لوبيز أوبرادور، الذي شدد على ان الرئيس البرازيلي "ليس وحده فهو يحظى بدعم القوى التقدمية في بلده والمكسيك والقارة الأميركية والعالم". كما أعربت وزارة الخارجية المكسيكية عن دعمها الكامل لحكومة الرئيس لولا دا سيلفا المنتخبة بالإرادة الشعبية. ورفض الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، "على نحو قاطع العنف الذي قامت به الجماعات الفاشية الجديدة التابعة لبولسونارو"، مؤكدًا "أن إرادة الشعب البرازيلي والمؤسسات الديمقراطية يجب أن تحترم". واعتبر رئيس تشيلي غابرييل بوريك "أن الهجوم على مراكز السلطات الثلاث لدولة البرازيل، من قبل أنصار بولسونارو، غير مقبول"، معلنًا "تأييده الكامل للحكومة البرازيلية في مواجهة هذا الهجوم الجبان والشرير على الديمقراطية". حتى أن الرئيس الأميركي جو بايدن اعتبر إن الوضع في البرازيل "مروع". وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان "إن الولايات المتحدة تدين أي محاولة لتقويض الديمقراطية في البرازيل". وأن "الرئيس بايدن يتابع الموقف عن كثب ودعمنا للمؤسسات الديمقراطية البرازيلية لا يتزعزع. الديمقراطية البرازيلية لن تتأثر بالعنف". وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن "إن واشنطن تضم صوتها إلى لولا في الدعوة إلى وقف الهجمات فورا".

ووصل الإستنكار إلى نواب أميركيين في الكونغرس، الذين شبهوا ما حدث باقتحام مبنى الكابيتول الأميركي. وقال السناتور بوب مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي على تويتر: "أدين هذا الهجوم الشائن على المباني الحكومية في البرازيل، بسبب التجاهل الأهوج من قبل بولسونارو الغوغائي لمبادئ الديمقراطية". وتابع: "لا يزال إرث ترامب يسمم نصف الكرة الأرضية بعد سنتين منذ 6 يناير. إن حماية الديمقراطية ومحاسبة الأطراف الشريرة أمر ضروري".

واكدت معظم ردود الفعل الدولية على دعوة " الديمقراطيات في العالم لأن تتحرك سريعاً، للتأكيد على أنه لن يكون هناك دعم للمتمردين". وأنه "يجب أن ينتهي الأمر بهؤلاء الفاشيين، الذين يسيرون على درب مثيري الشغب الأميركيين في المكان نفسه: السجن".

من جهته، اتهم دا سيلفا في خطاب ألقاه بولاية ساو باولو، سلفه اليميني المتطرّف بأنه هو من "شجّع المخرّبين الفاشيّين" على اقتحام مقارّ السلطات في برازيليا. ووصف أنصار بولسونارو بأنهم فاشيون ومتعصبون. وقال إنهم سيعاقبون بقوة القانون الكاملة وكذلك ممولوهم. وقال لولا "إنّ الديمقراطية لن تفلت من أيدينا مجدداً". وشدد على ضرورة "ملاحقة ممولي التحركات الانقلابية والتكاتف في مواجهتها". وأضاف: "باسم الدفاع عن الديمقراطية لن تكون الحكومة استبدادية ولا فاترة في التعامل مع الجناة". كما اتهم الشرطة والاستخبارات في العاصمة برازيليا بـ"التواطؤ الصريح" وتسهيل اقتحام المتظاهرين لمباني حكومية وإحداث فوضى داخلية. فيما اتهمت المحكمة العليا البرازيلية حاكم برازيليا، بارتكاب أخطاء سهلت اقتحام المقار الحكومية؛ وقررت تجميد مهامه لثلاثة أشهر. وأصدر مكتب المدعي العام في البرازيل أمرا باعتقال وزير الأمن العام في برازيليا، كما طلب فتح تحقيق جنائي لمحاسبة المتورطين في أعمال العنف المذكورة.

والأهم في هذا الحدث، أن كيان العدو "الإسرائيلي" هو من أبرز المتضررين من فوز دا سيلفا ومن فشل الانقلاب الفاشي، حيث قرّرت وزارة الخارجية البرازيلية إقالة سفيرها في الأراضي المحتلة، الجنرال جيرسون ميناندرو غارسيا دي فيرينتس، الذي تم تعيينه من قبل الرئيس السابق جايير بولسونارو أوائل عام 2021.

ووفقاً لموقع جريدة "يديعوت أحرونوت"، قرّر بولسونارو تعيين الجنرال دي فيرينتس، من أجل تعميق العلاقات العسكرية مع العدو؛ وفي الوقت نفسه أعلن عزمه على نقل السفارة البرازيلية إلى القدس المحتلة. وهو الأمر الذي لم يتمّ تنفيذه بفعل ضغوط عربية، فاستقرّ أخيرًا على فتح مكتب تجاري فيها. وأدخل بولسونارو البرازيل في حقبة جديدة، دعمت فيها كيان الاحتلال في المنظمات الدولية، على عكس الموقف التقليدي للبرازيل. وصوّتت البرازيل في 2018 للمرة الأولى في الأمم المتحدة، ضد حركة "حماس". وتمكّن بولسنارو قبل انتهاء ولايته على مشارف الانتخابات في بلاده، من التصويت ضد مطلب السلطة الفلسطينية طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية، بخصوص الأوضاع في الضفة الغربية. إلا أن وزير الخارجية البرازيلي الحالي ماورو فييرا، صرّح عند تشكيل الحكومة الجديدة، بأنه في ظل حكومة لولا اليسارية التي تولت السلطة مطلع كانون الثاني الحالي، فإن البرازيل "ستتعاون مع الدول العربية، وفي مقدمتها فلسطين".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل